8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

أوباما أبلغ إسرائيل عدم محاولة جرّه إلى حرب مع إيران وباريس تستطلع إمكانات فتح المسار السوري ـ الإسرائيلي

رغم العطلة الصيفية الدولية، ظهر حراك غير مألوف في هذه الفترة، وكأن كل الدوائر المعنية بمنطقة الشرق الأوسط ونزاعاتها تستعجل استعداداتها لمواجهة الاستحقاقات المتكاثرة في أواسط أيلول أي بعد عيد الفطر. جورج ميتشل المبعوث الأميركي لعملية السلام في رام الله وإسرائيل، وفريدريك هوف مساعده والمكلف بالملف السوري أمضى عدة أيام في دمشق وسط صمت محسوب بدقة، ومنها انتقل الى بيروت، فتحرك وزار وتباحث وسط صمت إعلامي ملحوظ.
يبدو جلياً أن لا أحد من القوى والأطراف المعنية بأزمات منطقة الشرق الأوسط وملفاتها يريد أن يمر الوقت الضائع دون استثماره ولو عن طريق التحضيرات الجدية، فالاستحقاقات القادمة حساسة وبعضها أكثر من خطير. لذلك فإن باريس التي كانت ناشطة جداً على المسار السوري، تراجعت فترة عندما تأكدت أنها لن تأخذ من دمشق كما ترغب أو تتمنى وانما بقدر ما ترى دمشق كيف ومتى وماذا تعطيها. طبعاً هذا الوضع لا يرضي باريس الساركوزية التي تحمست كثيراً فأعطت كثيراً وأحياناً بلا حساب. لكن القناعة كنز لا يفنى، خصوصاً وأن المتغيرات هي الثابت الكبير في الشرق الأوسط. لذلك قليلٌ من الصبر مفيد أحياناً أكثر مما هو متوقع. لكن يبدو باريس التي تتابع التحركات الأميركية عن قرب وبتعاون كامل، رأت انه من الضروري أن تتحرك في هذه المرحلة من الوقت الضائع فكان أن كلف الرئيس نيكولا ساركوزي، أقدر ديبلوماسييه خبرة ومعرفة بدمشق وتعقيداتها بدراسة الوضع. ولذلك تم تكليف جان كلود كوسران السفير الفرنسي الاسبق في دمشق بدراسة المسار السوري الإسرائيلي، وكان عندما كان فيها قد حاز ثقة الرئيس الراحل حافظ الأسد الى درجة رفع الاستثناء المتعارف عليه آنذاك فكان يلتقيه من وقت الى آخر. كوسران المكلف بدراسة الوضع قد يعين لاحقاً مبعوثاً للرئيس نيكولا ساركوزي وللمسار السوري الإسرائيلي ولاحقاً اللبناني الإسرائيلي. المرحلة الحالية هي مرحلة القراءة العميقة والدراسة الجادة لواقع فتح هذا المسار المعقد الذي تصر فيه دمشق على أولوية تركيا في إدارته، ذلك أن الشرط الأول والأساسي هو الثقة المتبادلة، وهذه الثقة موجودة بين دمشق وأنقرة ولا حاجة لتأكيدها. في جميع الأحوال تكليف كوسران يضع قطار التنسيق الفرنسي الأميركي على السكة بانتظار أن يصبح لدى باريس شيء محدد تستطيع عرضه على الأطراف المعنية، بما فيها واشنطن.
فريدريك هوف الذي جرى تسريب تعيينه سفيراً لبلاده في دمشق تأكيداً للأهمية التي توليها الإدارة الأوبامية لدمشق، ما زال ينفذ حتى الآن سياسة الجولات المكوكية. لدى هوف كما هو معروف عنه تصور محدد لخريطة الانسحاب الإسرائيلي، فقد سبق له وأن عرضها في كتاباته.
المشكلة هي في إقناع دمشق وتل أبيب أولاً بالجلوس على طاولة واحدة، ومن ثم أن يتم البحث جدياً في التفاصيل التي يكمن فيها الشيطان.
أخطر ما يواجهه المسار السوري الإسرائيلي، أن تل أبيب لا تبدو مستعدة كثيراً للذهاب بعيداً في تفاصيل أي اتفاق مع دمشق، لأن اليمين المتطرف الإسرائيلي ليس لديه ما يقدمه حتى لا يخسر قاعدته أو يقع الطلاق باتجاه يمين أكثر تطرفاً. استناداًَ الى مصادر مطلعة، فإن إسرائيل تعمدت عن سابق تصور وتصميم ضرب قافلة الحرية لايقاف مسار المفاوضات مع دمشق بوساطة تركية، واشنطن كانت مطمئنة الى أن مسار المفاوضات غير المباشرة سيعود، وهي أبلغت عواصم معنية بذلك منها لبنان عشية الهجوم على القافلة. بنيامين نتنياهو تعمد الهجوم وإيقاع الخسارة التركية مقدراً ردة الفعل التركية حول تعلقها بسيادتها. فهو يعرف جيداً تركيا وطريقة تصرفها. وقد نجح في ذلك فتوقفت كل المسارات؛ والسؤال الأساسي الآن كيف ترجع الثقة بين أنقرة وتل أبيب حتى تعود المفاوضات. من الواضح أن نتنياهو يمسك بالمفتاح، وهو سيفتح المسار بمراضاة أنقرة فور حاجته الى ذلك.
كلمة السر حالياً هي مع نتنياهو، عادة إذا انحشرت الحكومة الإسرائيلية على المسار الفلسطيني عمدت الى المناورة على المسار السوري. حالياً يعتبر نتنياهو أن الكرة في ملعب الرئيس الفلسطيني محمود عباس. على أبو مازن أن يواجه الضغوط الأميركية غير المسبوقة عليه للدخول في المفاوضات المباشرة، في الوقت نفسه يعرف نتنياهو أن واشنطن تستعجل الفلسطينيين للدخول في المفاوضات قبل عيد الفطر أو بعده فوراً حتى لا يصل 26 أيلول ويندفع الفلسطينيون ومعهم الدول العربية نحو مجلس الأمن لطلب انعقاده وإعلان الدولة الفلسطينية من طرف واحد. عندها واشنطن ستكون محشورة أكثر، فتكثف الضغوط على دمشق وأنقرة وتبقى تل أبيب في مقاعد المتابعين حتى تحين الساعة.
باراك أوباما، ليس ساذجاً الى درجة أن يلعب حسب الشروط الإسرائيلية وتوقيتها. لذلك وهو الخبير بقوة اللوبي اليهودي في بلاده، يلعب اللعبة كما لم يلعبها أي رئيس قبله في مواجهة إسرائيل واللوبي اليهودي. يرى أحد المتابعين للسياسة الأميركية، أن أوباما يعرف حدود قوته ومواطن ضعفه لذلك اختار الالتفاف على إسرائيل بدلاً من مواجهتها وتحمل أعباء الضغوط عليها، يعمل على وضعها في مواجهة الأميركيين والعالم لتصبح هي المسؤولة عن أعمالها أولاً وأخيراً. من ذلك أن مختلف مراكز القرار في واشنطن أصبحت مقتنعة أن حل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي يخرج الولايات المتحدة الأميركية من دائرة توالد العنف الأسود. كما أن الدوائر الحقيقية بالملف الإيراني، اقتنعت ومعها أوباما أنه يمكن لإيران الحصول على القوة النووية السلمية، والأهم أي أوباما عليه ألا تجرّه إسرائيل الى حرب لا يريدها مع إيران. ذلك أن إسرائيل تريد في أواسط أيلول الاندفاع نحو ضرب إيران وإجبار واشنطن على إنقاذها لأنها قادرة على تصوير الوضع وكأن نهايتها اقتربت، وقد أبلغت تل أبيب بالموقف الأميركي بشكل واضح ونهائي.
لذلك كله الإدارة الأوبامية تبدو مستعجلة على فتح المسار الفلسطيني الإسرائيلي. هذه الإدارة تعتبر ان نتنياهو مهما حاول الهروب الى الأمام، فإنه قبل مبدأ اقامة الدولتين، أي دولة فلسطينية قابلة للعيش الى جانب إسرائيل، هذا الالتزام أصبح ملزماً، وهو سلاح بيده أمام الأميركيين لمطالبة إسرائيل بتنفيذه حالياً أو لاحقاً.
شهر رمضان سيكون مرحلة ضرورية ومهمة لاستطلاع إرادات وإمكانات كل الأطراف على مواجهة الاستحقاقات القادمة، التي لن يحل الشتاء إلا ويكون كل شيء قد أصبح أكثر وضوحاً رغم كل العواصف المحسوبة والمتوقعة وحتى المفاجئة منها.

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00