أخيراً، بعد 11 سنة من التأخير والمماطلة والمناورة يتم اليوم تشغيل مفاعل بوشهر النووي في إيران. الإيرانيون صبروا بعد أن فاوضوا وماطلوا وهددوا وتراجعوا، حتى حصلوا على المفاعل. الروس التزموا بالاتفاق لكنهم نفذوه بسرعة السلحفاة. لم يبدوا مستعجلين، ليس لأنهم خافوا من إسرائيل، أو ترددوا بسبب مواقف الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الأوروبي المعارضة، ولكن لأنهم أرادوا استنفاد كل الفرص المتاحة لتسجيل المكاسب وضمان مصالحهم، والحصول على ضمانات بأن المفاعل سيُستخدم فقط لأغراض سلمية. ليس أكثر من موسكو من يخشى تحول إيران الى دولة نووية على حدودها. ليس لأن روسيا ستصبح عارية أمامها ولكن لأن إيران نووية عسكرياً تصبح مثالاً يُحتذى من الجمهوريات الإسلامية في الاتحاد السوفياتي السابق، والتي تريد موسكو ضمان ثباتها في الفضاء الامبراطوري الروسي. المصالح أقوى من الايديولوجيا في قوتها وديمومتها.
خلال 48 ساعة قبل افتتاح مفاعل بوشهر النووي، بدا العالم وكأنه على حافة حرب شاملة قد تتحول الى حرب نووية في لحظة ما. جون بولتون صقر الصقور في المحافظين المتشددين، لم يترك أمام إسرائيل سوى ثمانية أيام قبل تحويل عجزها الى كارثة. لأن قصف مفاعل بوشهر بعد مده بالوقود النووي يصبح ممنوعاً حسب القانون الدولي. صحيفة الواشنطن بوست ذهبت أبعد من ذلك فحددت بأن الحرب خلال 24 ساعة. لا أحد يعرف لماذا أقدمت صحيفة جادة وعاقلة ومحترمة لإصدار مثل هذا الخبر التهديد. الأرجح وجود استثمار مالي ضخم في البورصة يتعلق بشركة ما أو غيرها، أو سراً يُراد كشفه مواربة يحتاج لمثل هكذا زلزال لم يعد يصدقه أحد، لأنه مثل تهديد جحا بوجود السارق وهو غير موجود. المهم أن الإدارة الأوبامية أعقل من أن تُجر الى مثل كل هذه الإشاعات التي تتم فبركتها أو استيلادها لأسباب بعيدة في كثير من الأحيان عن السبب الحقيقي. المهم أن غاري سامور كبير مستشاري أوباما في المسائل النووية قال: نظن أن الإيرانيين بحاجة الى فترة تصل الى سنة لتحويل ما لديها من مخزون اليورانيوم المخصب الى مادة يمكن أن تُستخدم في صناعة الأسلحة. سايمور الذي يعرف حكماً أسرار الملف النووي الإيراني، أضاف بثقة: سنة تعتبر فترة زمنية كبيرة.
بالفعل فترة 12 شهراً فترة طويلة بالنسبة لانفجار النزاعات أو وأدها. بمعنى آخر منح البيت الأبيض طهران فترة سنة كاملة لتسوية الملف النووي. بعد ذلك سيكون الحديث مختلفاً. هذه المهلة أيضاً هي لإسرائيل مثل إيران. لا يمكن لإسرائيل شن أي عملية عسكرية خلال هذه الفترة. تستطيع أن تستعد، عسكرياً وسياسياً وإعلامياً، يمكنها حشد العالم كله خلف رغباتها، لكن في النهاية واشنطن هي التي تقرر والرئيس الأميركي هو الذي يملك قرار الحرب والسلم في هكذا قضية تتناول الأمن القومي الأميركي.
تستطيع إسرائيل أن تضغط وأن تستميل عشرات السيناتورات واللوبيات ومراكز القرار في واشنطن، لكن عندما يتعلق الأمر بالأمن القومي الأميركي، فإن البيت الأبيض هو الذي يتحمل المسؤولية بشكل كامل، حاضراً ومستقبلاً.
بعيداً عن طبيعة آلية القرار الأميركي وتنفيذه، فإن الجمهورية الإسلامية في إيران تبقى في عين الإعصار، مهما كابرت وأكدت أن كل التهديدات الأميركية لا تعنيها. إذ أن خطرين يحدقان بطهران:
* الخطر الأول وهو خطر قائم يتعلق بالعقوبات، قطار العقوبات الدولية زائد الأميركية، زائد الأوروبية، قاسية ومنتجة. لا يمكن لطهران إدارة ظهرها الى العالم والاكتفاء بنفي تأثيرها عليها. واقعياً العقوبات مؤذية وفاعلة، وقد لا تكون قاسية وظالمة على مثال ما حصل للعراق، لكن بالتأكيد ستلحق الشلل والأذى بمواقع إيرانية اقتصادية مهمة تطال شرائح واسعة من الشعب الإيراني، عدا أنها ستصيب الجسم السياسي والآلة العسكرية بأعطال حقيقية. الأيام المقبلة خصوصاً بعد عيد الفطر ستثبت ذلك وستؤكد أنه لا يوجد جسم بلا عقب اخيل تؤدي إصابته الى إلحاق جرح قاتل في أحيان كثيرة، في وقت تنتظر فيه جيوشاً عديدة اللحظة المناسبة.
عندما يأتي الى لبنان ستيوارت ليفي الذي حضر العقوبات ضد إيران أثناء عمله في الإدارة البوشية، ثم تم تكليفه من أوباما بمتابعة المهمة، يعني أن تنفيذ العقوبات جدي ضد إيران، وأن واشنطن جادة كما لم يسبق لها في ملاحقة أصغر التفاصيل لكي تنجح هذه العقوبات.
* الخطر الثاني وهو خطر محتمل. الحرب ليست اليوم، ولأنه لم يتم بعد اتخاذ القرار حولها. إيران ليست العراق، اقتضى قرار غزو العراق عشر سنوات من الحصار القاتل وتشكيل معارضة فقدت علاقتها بالوطن تحت صيغة انقاذ الوطن بسبب معاناتها من القتل الذي استعمله النظام ضدها بدون رحمة. لكن من الواضح أن طبخ قرار الحرب ضد إيران في العام 2011 يجري حالياً بقوة في مراكز القرار خصوصاً في واشنطن. الانسحاب العسكري من العراق أصبح قائماً. ومن أفغانستان يبدو حقيقياً خصوصاً وأن أوباما لم يستمع الى نصائح جنرالاته وبالتحديد الجنرال بترايوس بضرورة تأجيل فكرة الانسحاب حتى عام 2011. الترجمة العملية لذلك: تحرر القرار الأميركي بالحرب ضد إيران من قيود الحربين في العراق وأفغانستان. لن يعود لدى إيران نحو 200 ألف جندي أميركي رهينة يمكنها رد الصاع صاعين من خلالهم.
أكثر من ذلك، واستناداً الى تسريبات من عواصم عربية عديدة، فإن رأياً عاماً بدأ يسود مراكز القرار في هذه العواصم بأن آخر الداء الكي. وأنه لكثرة ما تدخلت إيران وتتدخل في هذا العالم سواء الذي توجد فيها نزاعات مشتعلة أو التي فيها نزاعات كامنة، خصوصاً في العراق وفلسطين ولبنان وحتى في اليمن مع الحوثيين، هذا من دون الدخول في تفاصيل النزاعات المذهبية السنية الشيعية، أصبحت هذه العواصم مستعدة لتقبل فكرة الحرب ضد إيران وتقديم التسهيلات لواشنطن وشركائها في مرحلة معينة.
طهران تعرف جيداً أنه في اللحظة الذي تقبل فيه دول عربية خليجية بفتح ممرات جوية أمام الطيران الأميركي الإسرائيلي لضربها معنى ذلك أن قرار الحرب معلق على كلمتها وموقفها. ويبدو أن القيادة الإيرانية بدأت تأخذ في حساباتها جدية الموقف الأميركي ووقائع ومواقف بعض القوى العربية المؤثرة. لذلك ذكّر وزير الخارجية الإيراني منوشهر متكي الأميركيين بأنهم يعرفون أكثر من غيرهم الدور الذي لعبته إيران من أجل الاستقرار والأمن في أفغانستان والعراق. بمعنى آخر أن طهران مستعدة أيضاً لمتابعة اللعب بالطريقة نفسها. بدوره فإن المرشد آية الله علي خامنئي أعطى الضوء الأخضر للتحاور مع واشنطن، فقد استبدل شرط تخلي واشنطن عن الهيمنة والتهديد والمقاطعة بإلغاء العقوبات والتوقف عن التهديدات وعدم تحديد هدف للمفاوضات.
هكذا عادة يبدأ الحوار في النزاعات المعقدة والخطرة. أمام الجميع خصوصاً واشنطن وطهران عدة أشهر لاتخاذ القرار الصعب بالمفاوضات أو البدء بالعد العكسي للحرب مع صيف 2011.
[email protected]
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.