8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

طهران نحو التهدئة والهدوء بعد عرض القوة ورد الفعل الأميركي والأوروبي المعتدل على مفاعل بوشهر

بعد عرض القوة الإيراني، من صواريخ بلا أجنحة، وطائرات قاذفة بلا طيار، وزوارق سريعة مزودة بالصواريخ، دون أن ينسى أو يتغافل أحد عن افتتاح مفاعل بوشهر النووي، يأتي الهدوء. كان لا بد لطهران بعد معركة استمرت عشر سنوات حتى وصلت الى اليوم الموعود ودخولها النادي النووي السلمي، إلا أن تقوم بهذا الاستعراض، حتى تصل الرسالة واضحة الى العالم أنها قادرة على الدفاع عن مكاسبها النووية، تحت شعار كل الخيارات مطروحة على الطاولة. أيضاً ليس أمام طهران إلا إبراز كل عضلاتها العسكرية أمام الغرب، حتى لا يتم استضعافها أكثر فأكثر، وتشديد القبضة عليها، وتسريع وتيرة استخدام العقوبات ضدها، خصوصاً وأنها دخلت مرحلة العد التنازلي في حرب البنزين. هذه الحرب التي أجبرتها على رفع الدعم الذي تقدمه للإيرانيين، والذي ستقع أعباء مواجهة تكاليفه اضافة الى رفع أسعار الخبز غداة عيد الفطر على الفقراء قبل غيرهم.
الجمهورية الإسلامية في إيران، لا تريد الحرب، لا بل تخشاها، لأنها تعرف جيداً أن كلفتها ستكون باهظة جداً وهي غير قادرة على تحملها مهما بالغت وكابرت ورفعت صوت مذياع خطابات الممانعة. أهمية طهران أنها قادرة على تقدير قوتها بواقعية سياسية محسوبة بدقة شديدة. انطلاقاً من هذه المعرفة، فإن التصعيد في عرض القوة شارف على نهايته، مع مزيد من الخطوات السياسية المنفتحة.
مسار التهدئة والهدوء والانفتاح على الحوار بدأ أثناء الاحتفال بافتتاح مفاعل بوشهر النووي. المرشد آية الله علي خامنئي وضع المفتاح في الباب المقفل لمبنى العلاقات الأميركية الإيرانية. خطوة كبيرة جداً قام بها المرشد يمكن للقوى السياسية الفاعلة والمؤثرة التأسيس عليها وفتح الباب رويداً رويداً وتبعاً لردود الفعل الأميركية. رد الفعل المعتدل الأميركي ومعه الأوروبي والمدروس بعناية حول افتتاح محطة بوشهر النووية يؤكد أن الرسالة قد وصلت. للجمهورية الإسلامية في إيران الحق الكامل والشرعي بامتلاك القوة النووية السلمية الصالحة للاستخدام المدني. لذا فإن الاعتراضات والاحتجاجات الإسرائيلية بقيت كلاماً في الفراغ. لكن هذه الرسالة المعتدلة القادمة من واشنطن وباريس معاً، مررت الكرة الى الملعب الإيراني في الوقت نفسه. ليس لدى طهران حجة جديدة للدخول في مواجهة اضافية طالما أنها أصبحت مقبولة في النادي النووي المدني. على طهران التعامل مع هذا العرض بواقعية أيضاً.
في محاولة للرد على الواقعية بواقعية مماثلة، تبدو طهران وكأنها قررت في المرحلة القادمة التزام العملية السياسية. هذا الالتزام يشكل محاولة جدية لاختبار ردود فعل الآخرين.
على ضوء النتائج يمكن الذهاب في هذا المسار بعيداً أو التوقف في محطة معينة. الأوساط المتابعة والمطلعة على المسار الايراني ترى أن طهران قدمت للولايات المتحدة الأميركية هدية ثمينة في العراق، والأميركيون يعرفون ذلك ولا بد أنهم يقدرونه. لقد تم الانسحاب الأميركي من العراق كما كان مخططاً من القيادة العسكرية الأميركية دون أن يقع تحت نيران معادية له بشكل كامل.
كان باستطاعة طهران عبر وجودها في العراق عرقلة هذا الانسحاب، أو تعريضه للخسائر وجعله صعباً، لكنها اختارت أن يتم الانسحاب والأميركيون محافظون على ماء وجههم. لم يرغبوا بتعريض الادارة الأوبامية لمزيد من المساءلة والضغوط وهي على موعد مع استحقاق الانتخابات النصفية. يمكن القول ان للايرانيين مصلحة كبيرة في هذا الانسحاب العسكري رغم بقاء 56 ألف جندي أميركي وعشرات الألوف من العناصر المدنية العسكرية، لكن ذلك لم يكن لولا القرار بالدخول في العملية السياسية يمنعهم من تصعيد الموقف عسكرياً وجعل تناقل صور الجنود الأميركيين وهم يغادرون تحت القنابل والرصاص يحتل كل شاشات العالم. ما حصل كان العكس، حيث القوافل العسكرية الأميركية اجتازت العراق وكأنها في أراض صديقة.
خطوة ايرانية اضافية باتجاه واشنطن. المؤتمر لدول جوار أفغانستان الذي تنوي عقده بسرعة هو مظاهرة سياسية ايرانية أمام العالم لتأكيد حضورها الأفغاني. لكن أهداف هذا المؤتمر تصب في الطاحونة الأميركية. طهران ترغب بأن يؤكد المؤتمر وحدة الشعب الأفغاني بعيداً عن وصاية أو هيمنة التشدد والمتشددين أي الطالبان، وان يتم التشديد على الحرب ضد المخدرات.
يبقى العراق هو الحلقة الأهم في اختيار التزام طهران العملية السياسية. الأزمة العراقية طالت والفراغ السياسي في ظل الانسحاب الأميركي خطر ليس على العراق والعراقيين فقط وانما على الجميع. اذا صحت الأنباء عن عقد مؤتمر للقوى العراقية في دمشق، معنى ذلك ان طهران أوكلت دمشق بالعمل عنها على ادارة حل الأزمة، خصوصاً وأن دمشق متفقة مع تركيا والسعودية حول الوضع في العراق وسبل معالجته. بهذا تكون دمشق قد حصلت على وكالة خاصة من طهران وأنقرة والرياض للاسراع في تشكيل حكومة عراقية. لا بد من تنازلات مؤلمة من جميع الأطراف العراقية والخارجية لصياغة الحل. قد يكون ذلك في استبعاد كلا من نور المالكي واياد علاوي عن رئاسة الحكومة. المهم ان الحكومة العراقية المقبلة يجب أن تكون:
[ مقبولة من طهران وغير مرفوضة من واشنطن وأن تكون مع واشنطن دون أن تكون معادية لطهران.
[أن تكون متعاونة مع تركيا بكل ما يتعلق بالملف الكردي وبالتضامن والتكافل مع الأكراد العراقيين.
[أن لا تكون فجّة طائفياً بمعنى أن يرحب الشيعة بمواقعهم وأن يرضى السنّة عن حصتهم.
من المبكر جداً معرفة ارتدادات هذا الهدوء والتهدئة في المنطقة على لبنان، خصوصاً في وقت يعيش فيه على وقع استحقاق اضافي هو القرار الظني للمحكمة الدولية المتعلقة بجريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، وباقي الشهداء. زيارة الرئيس أحمد نجاد الى لبنان بعد عيد الفطر مباشرة ستشكل محطة مهمة لمتابعة هذه الترددات وطبيعتها المستقبلية.
بعد تجربتي العراق ولبنان أكدتا لطهران أنها مؤثرة جداً في صناعة القرارات لكنها لا تستطيع ولا يمكنها الانفراد في صناعة القرار حتى ولو كان صغيراً ومحدوداً فكيف إذا كان ضخماً ومهماً في صياغة معادلات استراتيجية على صعيد الشرق الأوسط. ربما القناعة بهذه النتيجة هي التي تدفع طهران نحو الإلتزام بقاعدة جديدة عنوانها: النفوذ أهم من الوجود. ما يعزز ذلك أن الوجود يثير ردود فعل مغايرة تبدأ من السياسة وتنتهي بالمشاعر القومية بينما النفوذ في زمن المصالح الكبرى قد لا يكون مقبولاً ولكنه مفهوم.
يبقى، هل سياسة التهدئة هي نهج ام تقطيع للوقت بانتظار تغيير المعادلات؟.
[email protected]

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00