أمام هيلاري كلينتون وزيرة الخارجية الأميركية أسبوع أو أكثر بأيام لمعرفة ما اذا كان بنيامين نتنياهو يملك الجدية والشجاعة لاتخاذ قرارات صعبة، فالرئيس محمود عباس لم يعد لديه ما يقدمه لإثبات جديته. اذا لم تستطع الديبلوماسية الأميركية تحقيق اختراق، أصبح ملحاً وضرورياً، في جدار القرار الاسرائيلي بمتابعة الاستيطان، معنى ذلك ان كل ما جرى حتى الآن لم يكن أكثر من مراسم عادية لاعلان وفاة مبرمجة. السؤال ماذا بعد هذه المراسم؟.
لن تعلن الديبلوماسية الأميركية احباطها وانسحابها، لأن البديل أسوأ بكثير للمنطقة وأيضاً للولايات المتحدة الأميركية وللادارة الأوبامية معاً. بالعكس قد تعمد هذه الديبلوماسية الى تنشيط حركتها في كل الاتجاهات والمسارات، حتى لا يقع السكون قبل العاصفة. عملياً، مباحثات شرم الشيخ وجولتا كلينتون وجورج ميتشل، سمحت في وضع تصور أولي واضح لما يجب عمله في المرحلة المقبلة. لا يمكن من الآن الحديث عن خريطة طريق مفصلة ولكن على الأقل جرى وضع نقاط وإشارات على الطرق التي يجب سلوكها باتجاه مفاوضات منتجة.
السلام يكون شاملاً أو لا يكون. لا يمكن كما يحلو للبعض أن يقدم مساراً على مسارات أخرى، ويطلب في الوقت نفسه فترة سماح للوصول الى نتائج ايجابية. هذه المنطقة قائمة على عدم الثقة، وعلى قلق دفين من النسيان. ولأن أصغر طرف يمكنه ايقاف أكبر قطار في محطته، وأحياناً تعطيله، فإن لا أمل من أي عمل احادي. جورج ميتشل يعرف كما يبدو توزيع الورد والياسمين في العواصم التي يتوقف فيها. وهو عمل ذلك كما يبدو ببراعة.
في دمشق شدد ميتشل على أن هدفنا اقامة علاقة تعكس الدفء والصداقة والاحترام المتبادل لشعبينا. بهذا وضع عدم ارسال واشنطن سفيراً لها الى دمشق مسألة ثانوية طالما ان الهدف أكبر من الشكليات الديبلوماسية. في الوقت نفسه قدم هدية لدمشق تؤكد ما تقوله وتعمل به أساساً وهو أن السلام الاقليمي يدعم المفاوضات الاسرائيلية الفلسطينية. أكثر من ذلك أكد ميتشل أهمية تحقيق تقدم على المسار السوري بما يسهم في دعم المسارات الأخرى. بهذا جعل من دور دمشق دوراً محورياً للتوصل الى حلول على المسارين الفلسطيني واللبناني معاً.
ليس بالكلام والورد والياسمين تجري المفاوضات. واقعياً فتح مسار المفاوضات السورية الاسرائيلية يتطلب أكثر من ذلك، وبجهود أقل من الجهود المبذولة على المسار الفلسطيني الاسرائيلي. يكفي الانطلاق مما وصلت اليه قمة جنيف بين الرئيس الراحل حافظ الأسد والرئيس الأميركي السابق بيل كلينتون، حتى يمكن اختصار المسافة من الأمل الى الواقع. يبدو أن واشنطن تعرف ذلك لهذا جاء دنيس روس الذي شارك بفعالية في قمة جنيف، والذي ما زال أحد أركان وزارة الخارجية الأميركية، في زيارة فريدريك هوف الأخيرة وقبل وصول ميتشل بأيام الى دمشق. مشاركة روس مهمة جداً في هذه المفاوضات، لأنه يعرف الطرفين السوري والاسرائيلي ولأنه يملك تفاصيل المفاوضات السابقة.
دمشق تريد تحريك مسار مفاوضاتها مع تل أبيب، لكن ليس بأي ثمن ولا كيفما كان. الثمن واضح وهو استعادة الأرض المغتصبة أي العودة الى حدود 4 حزيران 1967 واستعادة الجولان كاملاً. أما المفاوضات فلا يكفي أن تأتي الدعوة ولو من واشنطن حتى تلبيها. لن تبيع دمشق الدور التركي. هذا الدور كما يبدو ليس حتى للمقايضة. للموقف السوري هذا المتشدد أسباب استراتيجية وليس فقط الوفاء لأنقرة. حالياً ولفترة طويلة، دمشق بحاجة لموقع تركيا ولدورها وحتى لحماية ظهرها.
أيضاً ما يشجع دمشق على فتح مسار المفاوضات أن باريس تريد من خلال تحريك مسار المفاوضات دوراً في أي مؤتمر دولي يعقد حول الشرق الأوسط، باريس تعبت من دور الصندوق المالي وهي تعتبر انها قدمت الكثير لدمشق عندما بادر الرئيس نيكولا ساركوزي ونجح في فك العزلة الدولية عنها. على الأقل يريد ساركوزي دفعة على الحساب في مؤتمر الاتحاد المتوسطي في برشلونة المتوقع انعقاده في تشرين الثاني القادم. مجرد أن يأخذ ساركوزي صورة له مع الرئيس بشار الأسد ورئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو يكون قد حصل على الكثير لتسويقه داخل فرنسا لتحسين صورته الرئاسية المهزوزة. السؤال هل نضج أو يكون قد نضج الوضع حتى يقدم الرئيس الأسد هذه الهدية له؟.
لبنانياً، قدّم جورج ميتشل الكثير من الوعود والتطمينات في وقت يحتاج فيه اللبنانيون الى لفتة صغيرة تطمئنهم بأن اليوم ليس هو اليوم الأخير لسلامهم الأهلي ولا لسلامتهم من الحروب الموعودة. ميتشل وضع اطاراً وقاعدة للتعامل مع لبنان يقومان على:
[احترام سيادة لبنان. هذا الاحترام مهم خصوصاً اذا ما اقترن باحترام استقلال لبنان. السؤال هل واشنطن الواقعية جداً يهمها استقلال لبنان أكثر أم استقراره أكثر؟ وكيف تفهم العلاقة بينهما.
[ عدم دعم التوطين الفلسطيني في لبنان. هذا الوعد مهم جداً، ورغم أن التوطين شبح لبثِّ المزيد من الخوف والقلق، الا أن سؤالاً مهما وهو هل عدم الدعم يتضمن رفضه ومواجهته؟.
[لا سلام بدون لبنان ولا تسوية على حسابه. ربما هذا البند هو أكثر البنود تطميناً في كلام ميتشل، لكن من الواضح انه وما سبقه يحتاجان الى آلية دقيقة لتأكيد تنفيذهما.
في جميع الأحوال، أمام لبنان عرض جدي للدخول الى العملية القادمة. هذه الدعوة بلا تاريخ محدد، لأن العملية كلها مفتوحة على المجهول حتى الآن. لكن في الوقت نفسه من الضروري أن يكون لبنان مستعداً لكل طارئ في هذه المرحلة لأنه من الواضح جداً ان واشنطن ترى الانطلاق من صيغة تلازم المسارات. بذلك يصبح التنسيق بين دمشق وبيروت ضرورياً، وهذا التنسيق يتطلب جسماً ديبلوماسياً وسياسياً يملك ملفات كاملة واجابات واقعية.
كلما طال الوقت لفتح المسارات بجدية ازدادت فرقعة القنابل الدخانية والصوتية. من الطبيعي جداً ملء الوقت الضائع، حتى ولو كان على حساب أعصاب وقوت اللبنانيين العاديين، أما في فلسطين فعلى حساب دماء الفلسطينيين.
[email protected]
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.