سؤال يشغل عواصم كبرى وعربية، وبطبيعة الحال كل اللبنانيين: هل يستمر التوتر النامي في لبنان منذ اتفاق الدوحة مضبوطاً، أم ان الانفجار واقع وسيطيح في النهاية كل التفاهمات والاتفاقات الخاصة بلبنان وحوله، ويدفع اللبنانيين الى عين الاعصار ومعه المنطقة، خصوصاً مع نضج العوامل الذاتية فيها وبدولها لمثل هذه النهاية؟.
خوف اللبنانيين كل اللبنانيين من الانفجار واقعي ومشروع، خصوصاً اذا ما نظر الى الوضع من الزاوية اللبنانية باتجاه الخارج من خلال العدسة المكبرة. كل تفصيل مهما كان صغيراً يكبر حجمه عشرات المرات. العكس صحيح، اذا ما نظر الى الداخل اللبناني من العدسة الخارجية فإن كل تفصيل يصغر عشرات المرات ما يرفع من أهمية ملاحقة الوضع اللبناني من العدسة الخارجية، أن لبنان لم يعد مركز الصراع والتجاذب الاقليمي والدولي. العراق هو المركز وهو القلب. كل ما يجري في منطقة الشرق الأوسط ليس الا ارتدادات للحدث العراقي، لبنان هو في وسط خط ترددات الأحداث في العراق.
طالت أزمة العراق، وبدأت تتعب كل الأطراف العراقية والخارجية. لذلك يجري البحث بقوة عن حل بسيط لحالة العراق المعقدة. الحل في جمع شمل الأفرقاء العراقيين وموافقة الأطراف الخارجية. مطلوب صيغة من نوع السهل الممتنع. التجربة اللبنانية في الدوحة مغرية للعراقيين على أساس ان الكحل خير من العمى. لذا جرى تكثيف طرح الحلول على الطاولة. من ذلك ان واشنطن وطهران توافقتا على نوري المالكي رئيساً للوزراء أما الباقي فتفاصيل يهتم بها الآخرون.
الآخرون: هم دمشق والرياض وأنقرة. مثلث قوة لا يمكن التعامل معه بخفة. طهران تكفلت بدمشق. حلف الممانعة القائم بينهما يسمح بالصراحة بينهما. العراق تحول بعد سقوط نظام صدام حسين الى جزء من المحيط الجغرافي السياسي لايران. هذا ما تعتقده طهران ولا تقبل المساومة عليه مع أحد. دمشق بدت أمام هذه القاعدة الايرانية محشورة لأنها ايضاً لا يمكنها التخلي عن التزاماتها مع الرياض ولا عن تحالفها الوثيق مع أنقرة، ومن الطبيعي ان تأخذ مواقفهما في حساباتها.
الحل في العراق ما زال على نار حامية. نضجه تأخر فترة قصيرة، لكنه سيتبلور. كل الأطراف مضطرة الى تقديم تنازلات مؤلمة حتى ينضج الحل. طبعاً لو لم توجد الأسباب الذاتية والموضوعية الكافية لتحول الترددات العراقية في لبنان الى ما يشبه حالة ما قبل انفجار البركان نهائياً، لما حصل ما حصل. من الطبيعي في حالة مثل حالة العراق ان يحرك أو يستخدم كل طرف من الأطراف أوراقه في مختلف الساحات. ما يعزز ذلك ان ما يجري في العراق لا يمكن فصله عن فتح مسار المفاوضات الفلسطينية الاسرائيلية، وتحريك مسار المفاوضات السورية الاسرائيلية، وضع المسار اللبناني الاسرائيلي مستعداً في محطة الانتظار.
أيضاً لا يجب ترك ملف النزاع العربي الاسرائيلي يحجب المشهد الأساسي في اللعبة كلها وهو العلاقة بين طهران وواشنطن. من الصعب جداً الجزم حول حيثيات ما يحدث، لكن من المؤكد أن مخاضاً حقيقياً جارٍ حالياً على هذا الصعيد، وأن الرئيس أحمدي نجاد مذياع الحرب النفسية، يعمل على فتح مسار جدي للتفاوض مع واشنطن. هذا المسار يبدأ من أفغانستان والعراق ويصل الى مسألة اطلاق سراح السجينة الأميركية والمطالبة علناً بإطلاق سراح ثمانية ايرانيين في الولايات المتحدة الأميركية. من الصعب جداً، الحديث منذ الآن عن نجاح مثل هذا المسار النجادي، لكن أن يتولى أكبر المتشددين في النظام الايراني هذه المهمة، معنى ذلك وجود نية جدية باتجاه الحل. ولا شك في أن واشنطن يهمها التوصل الى مثل هذا الاتفاق مع رأس المتشددين لأنه يكون أكثر قوة ومقاومة في وجه أي معارضة ضده.
في حالة المفاوضات بالنار، يصبح تبادل كرات النار طبيعياً وضرورياً. ما حصل في لبنان في الأيام القليلة الماضية يشكل جزءاً من هذا التبادل الناري بين مختلف القوى. في لحظة معينة انقلبت اللعبة من خارجية الى داخلية لبنانية. التصعيد وصولاً الى الحديث عن الفتنة شكل رسالة واضحة للجميع. قلب هذه الرسالة أن اللعب بالنار يحرق الجميع بما فيها أيدي اللاعبين.
مهما كانت هشاشة اتفاق الدوحة، فإن الالتزام بكل بنوده ومفاعيله وليس جزءاً منه لا يمكن اللعب عليه. الالتزام بالاتفاق يحمي الجميع كما أن الانفجار يحرق الجميع. التطورات الأخيرة بدت مقلقة وربما مخيفة. لا شيء يخيف المواطن العادي في بلد عرف وعاش وعانى الحرب الأهلية أكثر من رؤية السلاح مشهوراً في وجه الدولة ووجهه باسم الدفاع عن قضية، مهما بلغت أهميتها تشكل خنجراً مندفعاً الى قلب وظيفة هذا السلاح وهي التحرير والدفاع عن الأرض والشعب كل الشعب معاً. يمكن صياغة ألف سبب وسبب لتشريع ظهور السلاح في غير مكانه، ولوضعه في خدمة قضية شخص أو حتى قضية صغيرة أمام بقاء الوطن أو البلد، لكن لا شيء يبرر انزلاقه الى الداخل المستنقع.
سعد رفيق الحريري، ابن بيت الاعتدال. الشهيد رفيق الحريري كان عمود هذا البيت. استشهاد الرئيس الحريري، أثبت يومياً منذ 2005، كم كان مؤثراً وفاعلاً في قيام هذا البيت وفي تثبيت بنائه. حشر هذا الاعتدال لإعلان استسلامه نهائياً، يفتح الأبواب أمام غول التطرف الأصولي السني السابق والسبّاق في عنفه على أي تطرف شيعي. فتح الدائرة اللبنانية أمام التطرف يعني استبدال الاعتدال الحريريّ، بالتطرف الأفغاني والباكستاني والعراقي. باختصار تشريع تحول لبنان الى قاعدة للقاعدة.
ما يخيف أكثر أن شبح الفتنة السنية الشيعية، دخل دوائر تملك الأسباب الذاتية لاندفاعاته.
تطورات الوضع في البحرين التي تشكل الحديقة الخلفية للسعودية، والكويت الخاصرة الضعيفة القوية في الخليج، ترفع من منسوب الأخطار في لبنان.
من دون مبالغة، فإن الأسابيع القليلة المقبلة ستكون مليئة بالسير على حافة السكين في العراق ولبنان وفلسطين. أي خطأ في التقدير أو الحساب خطيئة أولاً وقاتل عملياً. اذا كانت القناعة موجودة بأن لا أحد ينتصر في لبنان على أحد. وأن تركيبته التعددية تكون أو يكون الجحيم للجميع، فالأحرى بالجميع مع دقة المرحلة مراجعة حساباته والعمل بمنطق الحماية والانقاذ لنفسه وللآخرين. من دون أي مبالغة تبدو مسؤولية حزب الله وتحديداً السيد حسن نصرالله قائد المقاومة في هذه المهمة أساسية ومصيرية. كل الطوائف تستطيع أن تجد ملجأ لها، إلا الشيعة لا ملجأ لهم يؤويهم ويحميهم إلا لبنان.
[email protected]
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.