8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

تقسيم السودان برعاية أميركية ودولية وأفريقية خوفاً من الحرب حول الحدود والمياه والديون والثروات والمهاجرين

وحدهم العرب، لا يصدقون أن تقسيم السودان أصبح واقعاً وأن إعلانه معلن حسب جدول زمني دقيق. في أحسن الأحوال يتغافل العرب عن مثل هذه المسألة، كأن مصير دولة مثل السودان ليست قضية، توجد قضايا مصيرية أضخم وأهم بكثير، لعل أهمها بلا منازع السلامة الذاتية. قبل عقود قليلة كان البحث في كيفية استثمار السودان ليكون سلة غذاء لأفريقيا والعالم العربي. على الأرجح بعد سنوات يجب البحث في كيفية انقاذ السودان من الفقر وربما المجاعة وبطبيعة الحال التخلف.
خلال أعمال الأمم المتحدة، عقدت قمة لدراسة الاستعدادات الجارية لإجراء الاستفتاء حول مصير الجنوب في 9/1/2011. حضر القمة الرئيس باراك أوباما ورؤساء وزراء ووزراء خارجية من: بريطانيا وفرنسا وهولندا (دول الاستعمار القديم) وألمانيا والنروج والهند والبرازيل واليابان وكندا، ومن أفريقيا مصر وأثيوبيا وكينيا وأوغندا والغابون ونائب الرئيس السوداني. وجهت القمة رسالة قوية الى السودان حول ضرورة تنظيم الاستفتاء، وقررت عملياً ان الموضوع يستدعي ادارة حقيقية من المجتمع الدولي والدول المجاورة. واشنطن وباقي الدول، ربما ما عدا مصر والسودان، تعتبر ان نتيجة الاستفتاء محسومة، وان خيار الجنوبيين سيكون الانفصال. القاهرة والخرطوم ما زالتا تعتبران ان أمام السودانيين فرصة لانقاذ السودان الموحد.
الخطير، حتى بعد هذا المؤتمر الذي وضع العملية كلها تحت اشراف دولي مباشر، تجاهل العالم العربي الحدث. مر المؤتمر وقراراته في كل الإعلام العربي وعلى مساحة العالم العربي، وكأنه خبر عادي جداً، لا يحمل أخطاراً مصيرية تتناول بلداً عربياً بحجم السودان وإنما المنطقة كلها. حتى العقيد معمر القذافي الذي كان يخترع اتحادات لتأكيد اهتمامه والتزامه بوحدة الأمة العربية، تجاهل هذا المسار التقسيمي لدولة عربية تجاوره. أكثر من ذلك كونه ملك ملوك افريقيا كان عليه أن يهتم بمصير دولة افريقية، تقسيمها سيفتح الباب أمام تغيير خريطة القارة، لم يبدِ العقيد أي اهتمام. كأن تقسيم السودان أصبح قدراً لا مهرب منه.
تقسيم دولة مثل عملية بتر عضو أو أكثر من أي انسان. لا يمكن أن تمر العملية من دون أوجاع وانفعالات جسدية ونفسية وانقلابات في العلاقات مع المحيط الانساني. لا يمكن أن يمر تقسيم السودان بشكل طبيعي. فوراً أو بعد سنوات، سيعاني السودانيون الكثير، ومعهم الدول الحدودية المحيطة بالسودان وهي: مصر وأثيوبيا وارتيريا وكينيا والكونغو ووسط افريقيا والتشاد وليبيا. القمة التي عقدت في نيويورك الى جانب جهود أميركية تعمل على بناء شبكة مصالح بين الجنوب والشمال السوداني لحماية علاقاتهما من التوتر وتجدد الحرب. لا أحد في أفريقيا يصدق بأن هذه الجهود ستنجح. المشاكل التي ستنفجر بعد التقسيم وإعلان دولة الجنوب التي قد تأخذ اسم دولة حوض النيل، أو أعالي النيل أو أي اسم آخر، تفجر كل واحدة منها حرباً فكيف اذا اجتمعت كلها!.
السودان الشمالي، سيفقد بعد التقسيم حوالي ثمانين بالمئة من عائداته. سيتحول السودان الى دولة فقيرة. جنوب السودان يضم أو يملك كل نفط السودان المستخرج حالياً وهو نصف مليون برميل يومياً. بعد الاستقلال ستهطل الاستثمارات الغربية وتحديداً الأميركية على الدولة الوليدة. المرجح أن يتضاعف انتاج السودان من النفط خلال أعوام. ماذا عن الشمال؟ الاقتراح الأميركي، استمرار نقل النفط المستخرج عبر أنابيب تعبر شمال السودان الى بور السودان لمدة 25 سنة. سيضطر البلدان الى العمل معاً لفرض الأمن والاستقرار، من أجل ضمان مرور النفط بسلام.
لا توجد ضمانات بسلامة المرور، خصوصاً اذا ما حصلت مواجهات دموية بين الجنوبيين والشماليين، على مثال ما حصل بين الهنود والباكستانيين أثناء الانفصال. في الخرطوم وجوارها أكثر من مليون جنوبي، وفي الجنوب الآلاف من رجال الأعمال الشماليين. من يضمن عدم وقوع صدامات دموية منظمة أو عفوية؟ لا أحد. الدم يستسقي الدم. قاعدة معروفة في كل الحروب الأهلية.
يجب اضافة ألغام وقنابل موقوتة عديدة الى هذا اللغم الكبير. رسم الحدود من أصعب وأدق القضايا خصوصاً في افريقيا حيث الحدود الرسمية تتقاطع مع الحدود القبلية. ايضاً ما العمل بالديون المستحقة على السودان؟ هل يقبل الجنوبيون أن يأخذوا حصتهم من هذا الدين أم يتنكرون له؟ العملة مشكلة شائكة أيضاً سواء من حيث رسم عملة جديدة أو القيمة المتبادلة. أيضاً ماذا عن الجنسية؟ هل سيضطر الجنوبيون الى التخلي عن جنسيتهم الجديدة السودانية اذا اختاروا البقاء في الشمال، والعكس صحيح بالنسبة للشماليين في الجنوب؟.
طوال أكثر من ثلاثين سنة دارت حرب أهلية دامية بين الشمال والجنوب. لعب الخارج خصوصاً الكنائس الأميركية دوراً فعالاً فيها. ضحايا هذه الحرب بين مليون ومليوني ضحية. أي صراع بعد التقسيم سيكون بين دولتين تملك كل واحدة امكانات تدميرية ضخمة. ما سيحصل هو حرب حقيقية بين جيشين. الجنوبيون وبدعم من الولايات المتحدة الأميركية أصبح لديهم جيشاً كامل التجهيز والعدة. الأمم المتحدة دربت عشرة آلاف مسؤول أمني انضموا الى 21 ألف شرطي جنوبي. كل شيء يوحي بحرب لن تبقى محصورة بين الشماليين والجنوبيين. قوى اقليمية ودولية جاهزة للدخول في تحالفات مكشوفة أو مستترة بالمال والسلاح. اسرائيل لن تكون بعيدة عن مثل هذه الحرب. لديها مصلحة حقيقية بالتدخل الى جانب الجنوبيين فتكمل بهذا امساكها بمنابع النيل ومحاصرة مصر والضغط عليها في أعز ما تملكه وتحتاجه وهو النيل ومياهه.
أيضاً بين الشمال والجنوب مشكلة ايبي . تكاد تشبه مشكلة كشمير بين الهند وباكستان. لو حلت كل القضايا، ستبقى مشكلة ايبي معضلة حقيقية. لا يمكن لكل طرف التخلي عن مطالبه بهذه المنطقة الغنية. بعد الجنوب والشمال، سيأتي دور دارفور. السودان مرشح لأن يكون ثلاث أو أربع دول.
خريطة افريقيا على الطاولة من جديد. حتى الآن كان التقسيم ورسم حدود جديدة بين الدول الافريقية ممنوعاً. انفصال ارتيريا لم يمكن استثناء. ارتيريا كانت في الأصل دولة ووضعت اثيوبيا يدها عليها. لم يتم رسمها فجأة. ومع ذلك وقعت أكثر من حرب ارتيرية اثيوبية، والسلام بينهما ما زال بعيداً. بعد تقسيم السودان سيصبح الاستفتاء قاعدة في افريقيا. أصلاً يجري الكلام عن تقسيم نيجيريا، وقد وافق القذافي على تقسيمها. أثيوبيا أيضاً تخوض حروباً ضد الانفصاليين. القبائل في الكونغو وكينيا جاهزة لخوض حروب انفصالية قاتلة.
ويل لإفريقيا من الأعاصير التي ستجتاحها. والويل كل الويل للعرب الغافلين عن شبح التقسيم الذي بدأ في افريقيا من السودان الدولة العربية والعضو في جامعة الدول العربية.
[email protected]

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00