تعقيدات ربع الساعة الأخير تكون عادة الأصعب والأدق. كل طرف يحاول ويعمل تحت ضغط لحظة الحسم التي تقترب، أن يحصل على أكثر ما يمكنه من فوائد واستثمارات ومواقع ومواقف بأقل ما يمكنه من الالتزامات والأثمان. هذا ما يجري حالياً في العراق. التفاهم الضمني الأميركي الإيراني على نوري المالكي رئيساً للوزراء، حرّك الركود المستمر منذ ستة أشهر، ورفع من حرارة الوضع، خصوصاً وأنّ كل الأطراف الداخلية والخارجية عملت على اللحاق بالموقف المستجد والعمل وفقاً لمعادلته الجديدة سواء بقبول غير مشروط أو بشروط أو رفضاً معلقاً على شرط واجب.
حالياً فرزَ الوضع القائم جملة أسئلة، الردود عليها معلقة على سيناريوهات قديمة جديدة. الأساس في كل ذلك حركة الأرقام. المقصود بذلك جمع عدد النواب المتحالفين وما إذا كانوا يستطيعون تشكيل الكتلة الأكبر، علماً ان ذلك لا يكفي في الحالة العراقية، مثلما سبق وحصل في الحالة اللبنانية. البحصة تسند خابية، ونقطة الماء الواحدة تجعل الكأس يفيض.
بالأرقام، نوري المالكي يجب أن يتولى تشكيل الحكومة العراقية الجديدة. كتلته 89 نائباً يضاف إليها أربعين نائباً للسيد مقتدى الصدر الذي قاوم مطالب طهران طويلاً كما يبدو لتحسين شروط إذعانه لرئاسة المالكي. وأخيراً التحالف الكردي وباقي النواب الأكراد من الأطياف الخارجة عن الوطني والديموقراطي، أي 57 نائباً. المجموع 192 نائباً، أي الأغلبية المطلقة.
بالأرقام أيضاً، تحالف العراقية برئاسة اياد علاوي والمجلس الإسلامي بزعامة عمار الحكيم ومعه منظمة بدر التي كما يبدو لم تنشق عن التنظيم الأم اضطر هادي العامري العودة سريعاً وربما مرغماً إلى أحضان آل الحكيم حتى لا يفقد شرعيته مهما بلغ التأييد والدعم الايراني له كبيراً. تحالف علاوي وآل الحكيم كبير ومهم لكنه أقل بعشرين مقعداً من تحالف المالكي ومقتدى الصدر. على كلٍ، قلب التحالف للطاولة يتوقف على الموقف الكردي. إذا انحاز له يصبح هو البديل. الطريف ان كل طيف من الأطياف العراقية يقول عالياً: مَن يستطع تشكيل حكومة من دوننا فليفعل. واقعياً، يمكن للمالكي دفع المجلس الأعلى إلى المعارضة. ولا يبدو أن آل الحكيم يخافون من هذه التجربة. ما زالوا يعتقدون ان المعارضة النشطة والمنتجة طوال الفترة اللاحقة ستتيح لهم إنتاج مد شعبي يسمح لهم بالعودة إلى السلطة من موقع القوة، خصوصاً وأن الصدريين استغفلوهم أثناء تنظيم الانتخابات وأخذوا أكثر بكثير مما يستحقون.
من الواضح جداً ان رسم الدائرة الشيعية ألواناً وخطوطاً وتداخلات في السلطة والمعارضة، هو الأساس حالياً. جميع الأطياف الشيعية تدرك ان ما يجري الآن، ستكون ترجمته العملية في بناء السلطة العراقية مستقبلاً. الآن وطوال سنوات عديدة فعلية سيتم تشكيل بناء السلطة. كل ما جرى منذ سقوط نظام صدام حسين كان مرحلة انتقالية لا طعم لها ولا رائحة.
على الجبهة السنية، أيضاً توجد قناعة كاملة أنه لا يجب البقاء خارج السلطة ولكن أيضاً لا يجب أن تكون مشاركتهم رمزية أو فولكلورية. يجب أن يكون التمثيل السني قوياً وفاعلاً ومؤثراً للمشاركة فعلياً في رسم خريطة النظام العراقي الجديد. السنّة في العراق لا يريدون تكرار ما فعله الشيعة عندما رضخوا لفتوى عدم المشاركة فلم يشاركوا في نظام ما بعد ثورة 1920 رغم أنهم دفعوا الثمن غالياً من أرواحهم وممتلكاتهم، فخسروا كل شيء: السلطة والثروة والتنمية. السؤال كيف يمكن للسنّة أن يشاركوا في سلطة عنوانها نوري المالكي وحزب الدعوة، وعمقهما ايران؟.
نوري المالكي يراهن على شق صفوف العراقية، عبر اختراقها أو تفتيتها بتقديم جوائز كبيرة من المواقع في السلطة التنفيذية. المالكي وحلفاؤه يريدون حضور اللون السني في لوحة النظام حتى يكتمل شكلها بعيداً عن توازن ألوانها. السؤال هل ينجح في ذلك؟. واذا لم يتمكن من شق الصف السني القائم داخل العراقية، هل تكفي مشاركة جبهة التوافق ووحدة العراق وتسليمها مواقع مهمة داخل السلطة لكي يكون اللون السني بدرا لا يمكن الشك بظهوره كما لو كان هلالاً وليداً؟.
طهران، لا تريد مشاركة أحد معها في صياغة قرار تشكيل السلطة العراقية ما عدا مشاركة واشنطن، أولا لأنها حاضرة على الأرض، وثانياً وهو الأهم، لأن الاتفاق على الملف العراقي يكون ضمن البحث والتفاهم والتوافق على باقي السلة الغنية بمختلف أنواع الملفات وفي مقدمها الملف النووي. طهران رفضت بقوة اقتراحات بديلة، أبرزها اقتراحاً سورياً بتسمية جعفر الصدر حلاً وسطاً بين المالكي وعلاوي. يبدو أن طهران وهي تعمل على صياغة خريطة السلطة العراقية مستقبلاً تأخذ في حساباتها مصلحة قم وأولويتها على النجف. لذلك فإن إضعاف آل الحكيم وآل الصدر حتى ولو أدخل مقتدى الصدر إلى السلطة فإنه يبقى ادخالا موقتاً ولا مؤثرا على المرجعية في النجف من حيث الحضور والفعالية والانتشار. ما يؤكد ذلك ان السيد مقتدى الصدر نفذ طلباً لطهران، ولم يصغ موقفاً له، رغم انه كرر مراراً أمام من التقاهم أنه يلتزم وحدة العراق وعروبته. هذه العملية تبقى سيناريو مطروحاً للمستقبل يجب متابعته عن قرب وعن كثب. ليس من مصلحة ولاية الفقيه ولا الولي الفقيه الموجود في طهران أن يكون للمرجعية في النجف حضور قوي خارج عن عباءته. على النجف أن تدخل كما حصل مع قم بكل علمائها ومرجعياتها تحت عباءة الولي الفقيه.
يبقى أخيراً، هل تستطيع دمشق أن تفعل شيئاً مع طهران بالنسبة لتشكل السلطة في العراق؟، دمشق أبلغت طهران مراراً ان القرار في لبنان يدخل في فضائها السياسي والجغرافي، بذلك ليس لها أي شريك فيه، وعلى الجميع بمن فيهم حزب الله أن يعملوا وفق هذه القاعدة حيث أول بنودها تسليم الأمانة لها والتي حصلوا عليها بعد خروجها من لبنان بإدارة الأزمة السياسية إلى حين التغيير الذي يعمل له. وماذا ستفعل دمشق مع حليفها التركي ومع السعودية لاقناعهما بالمالكي رئيساً للوزراء؟.
عملية اقناع دمشق وأنقرة والرياض بحل المالكي، يلزمه أكثر من البراعة الدمشقية المعروفة. يجب تقديم ضمانات حقيقية وواقعية وثابتة حتى تنجح المهمة.
ربع الساعة الأخير، دائماً طويل خصوصاً اذا كان مليئاً على جميع الجبهات والدوائر بالقنابل الصوتية والدخانية.
[email protected]
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.