8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

ساركوزي يجمع عباس وبيبي وكلينتون لتحريك مسار المفاوضات الفلسطينية ـ الإسرائيلية قبل قمة برشلونة

ليست المفاوضات الفلسطينية الاسرائيلية وحدها أمام طريق مسدود، أيضاً المسار الآخر والمهم بين دمشق وتل أبيب معطل. الثنائي الاسرائيلي بنيامين نتنياهو وافيغدور ليبرمان، ليسا وحدهما المتطرفين، المجتمع الاسرائيلي في غالبيته المطلقة جنح نحو التطرف الفاشي وليس العنصري فقط. القوة زائد ضعف الطرف المواجه، تبيح كل المحظورات. اسرائيل تشعر وتمارس حالياً سياسة الرفض، رفض كل الآخر كائناً من كان. العرب والادارة الأوبامية وأوروبا وحتى الرئيس نيكولا ساركوزي الذي جاء إلى الإليزيه بأحلام كبيرة باتجاه الشرق الأوسط ترتكز على صديقه بيبي.
رغم كل النكسات التي مني بها الرئيس الفرنسي بسبب صديقه بيبي فإنه لم ييأس. ما زال ساركوزي يأمل بدخول التاريخ من بوابة الشرق الأوسط. ما يدفعه على الاصرار لهذا الدور فشله الصاعق داخلياً. كان ساركوزي يأمل بأن يدخل تاريخ فرنسا المجيد إلى جانب الجنرال شارل ديغول، فكانت النتيجة أنه لم يستطع الجلوس إلى جانب الرئيس الراحل فرنسوا ميتران ولا الرئيس السابق جاك شيراك. بقي أمام ساركوزي سنتان قبل الدخول من جديد في سباق الرئاسة لولاية ثانية. يعتمد الرئيس ساركوزي اذا لم ييأس وترشح، على استمرار اليسار ممزقاً واليمين الوسط في مزاحمة غير مشروعة مع اليمين المتطرف، فيقترع الخوف، ويكون ناخبه الكبير.
فرنسا سترأس مجموعة الثمانية الكبار ومجموعة العشرين الكبار عام 2011. أمام ساركوزي فرصة ليلعب دور الملك. تحضيراً لمثل هذا الدور الكبير، ينشط ساركوزي في الشرق الأوسط. ما يشجعه على ذلك أيضاً كما جرى تسريبه مرات عديدة ان الكلمات الجميلة لباراك أوباما يمحوها الواقع. باختصار يرى ساركوزي أن أوباما قد فشل ولذلك أصبح بحاجة قوية للدعم، وليس غيره من يستطيع ذلك.
قبل أن يعفي الوجه الفوتوغرافي للسياسة الخارجية الفرنسية، برنار كوشنير من منصبه قريباً، سيعقد الرئيس الفرنسي قمة في الأليزيه تجمع: الرئيس الفلسطيني محمود عباس ورئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزيرة الخارجية هيلاري كلينتون. القمة في 21 من الشهر الجاري. الهدف منها درس السبل الكفيلة بإعادة اطلاق المفاوضات الفلسطينية الاسرائيلية. بعد عشرة أيام من الآن سيكون القرار الجديد الخاص يقسم الولاء للدولة اليهودية الشغل الشاغل الجميع. من سيضمن بوجود الثنائي بنيامين نتنياهو وأفيغدور ليبرمان، عدم تنفيذ القرار الذي هدفه أولاً وأخيراً القيام بعملية ترانسفير لفلسطينيي 1948 تحت حجة رفض القسم بالولاء للدولة اليهودية. ماذا سيفعل ساركوزي وغيره خصوصاً باراك أوباما في مواجهة هكذا خطر محتمل جداً؟.
مشكلة الرئيس الفرنسي انه يملك طموحات كبيرة ووسائل محدودة جداً. يعتمد ساركوزي على قمة الاتحاد المتوسطي في برشلونة لتحريك مسارات السلام العربية الاسرائيلية. يريد ساركوزي صياغة سياسة سهلة في مواجهة قضايا هي الأكثر تعقيداً في التاريخ الحديث. يعتقد الرئيس الفرنسي انه سلّف الرئيس السوري بشار الأسد كثيراً عندما رفع عن دمشق العزلة الدولية وفرش له السجاد الأحمر. لا يعرف ساركوزي، ان كل ذلك لا شيء أمام التعامل بقضايا الأمة والمستقبل التي تمس المصير، وأن الأسد لن يعطيه في المستقبل هدية له ولغيره، فالجولان ينتظر منذ حوالي أربعين عاماً ويمكن أن ينتظر عقوداً أخرى. المهم أن لا شيء خارج صيغة كامل الأرض مقابل السلام الشامل.
ما يعزز حالياً طموحات الرئيس ساركوزي، ان الاتحاد الأوروبي كله تعب من لعب دور الصندوق المالي في القضية الفلسطينية، وأن كل التحركات وحتى المبادرات الأميركية قد فشلت في التوصل إلى نتيجة ايجابية منذ عشر سنوات. فرنسا زائد اسبانيا التي تترأس الاتحاد الأوروبي يستطيعان تقويم مبادرة قادرة على تحريك الجمود الحاصل على مسار المفاوضات. امكانية طرح اعلان دولة فلسطينية أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة أصبحت جدية. الرفض الاسرائيلي أغضب العالم مثلما سبق أن فعل الرفض الفلسطيني قبل عقدين وأكثر. الجمعية العامة للأمم المتحدة قادرة على تحويل مبادرة أوروبية إلى قرار يدخل التاريخ. قد يوضع مثل هذا القرار على الرف، لكنه سيضيف إلى القضية الفلسطينية زخماً لا يمكن التعامل معه الا بجدية حقيقية. لا يمكن أن يقال غداً اذا ما صدر مثل هذا القرار، ماذا عن القرار 194 لم يعد يسمع به أحد!. الحالة الفلسطينية تغيرت كثيراً، والشعب الفلسطيني الذي كان غائباً ومغيباً أصبح حاضراً وموجوداً بقوة رغم تشتيت تضحياته وتقييم قضيته أحياناً بسبب تداخل النزيف الداخلي بالولاءات والتدخلات الخارجية.
مبادرة الرئيس نيكولا ساركوزي خلال الوقت الضائع الناتج عن انشغال الرئيس الأميركي باراك أوباما بالانتخابات النصفية وتراجع شعبيته واحتمال خسارته، تبقى مفيدة، لأنها ستعري أكثر فأكثر صديقه بيبي ومعه التطرف الاسرائيلي. أما الفلسطينيون فإنهم يربحون قراراً جديداً يؤسس فعلياً لقيام الدولة الفلسطينية. يبقى أمامهم الكثير من النضال لأخذ حقهم برسم حدود للدولة وتحديد مستقبل الشتات الفلسطيني وحقهم بالعودة.
[email protected]

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00