8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

لا مصلحة لأحد بالتفجير في العراق ولبنان حتى انتهاء فترة السماح لخيار المفاوضات

الاستقبالات الشعبية المنظمة جيداً وبدقة الساعة السويسرية، للرئيس الايراني أحمدي نجاد، ليست خارجة عن فضاء التحالف الايراني السوري. لا يمكن لحزب الله أساساً اللعب على حبل التحالف الايراني - السوري لمصلحة أحد الطرفين ضد الطرف الآخر، لأنه اذا كانت ايران لها حقوق الأبوة على الحزب من عاطفية وعملية يومية لا تسقط مفاعيلها مع مرور الزمن، فإن لدمشق على الحزب حقوق الرعاية واستمرارية قنوات وممرات الدعم اللوجستي من تجهيزات وتدريب. حزب الله يعرف أكثر من غيره شروط اللعبة وحدود حركته فيها.
أما الجمهورية الاسلامية في ايران، فإنها مهما بدا حجم حضورها الشعبي ضخماً ومندفعاً بالعواطف الممتزجة بالعلاقات المذهبية في لبنان، فإنها تعرف جيداً، أنه لا يمكنها استثمار كل ذلك خارج القبول والتنسيق مع دمشق، ولذلك لم ولن تقفز فوقها لتشكل حالة منفصلة أو انفصالية عنها. مجرد اللعب على وقائع الجغرافيا في لبنان، يفتح فوراً الطريق للعب على وقائع الجغرافيا في بلاد الرافدين، حيث طهران لم تمسك نهائياً بكامل الخيوط السياسية منها والاجتماعية، خصوصاً في الجانب الأكثر التصاقاً بها وهو الشرائح الشيعية. عدم اكتمال الخريطة السياسية يدفع نحو هذه الصراعات التي يعيشها العراق، وأساساً ضمن هذه الشرائح وبينها.
لا يمكن مهما بلغت ضخامة الاستقبالات الشعبية الشيعية، للرئيس أحمدي نجاد أن تغير المعادلات القائمة. سوريا تبقى دولة حدود ومواجهة، ملزمة وملتزمة من موقعها القومي بالصراع مع اسرائيل، في حين أن ايران لا يمكنها الخروج من أسر كونها قوة حدودية حصلت عليها في العقدين الماضيين. الرئيس أحمدي نجاد أطل من مارون الرأس على فلسطين المحتلة وتابع خطاباته حول زوال اسرائيل. في النهاية اطلالته كانت لساعات، في حين ان لسوريا حدوداً مشتركة مع فلسطين وأرضاً محتلة من اسرائيل تجعلها في قلب المواجهة سلماً أو حرباً.
الدور الايراني في لبنان متكامل مع سوريا. سواء جاء الايرانيون الى لبنان عبر مطار الرئيس رفيق الحريري الدولي، أو عبر المصنع فإن طهران لا يمكنها التغافل عن المصالح السورية في لبنان. كذلك فإن دمشق مهما بدت علاقاتها قوية وعميقة مع قوى عراقية تمثل مختلف الاطياف العراقية، لا يمكنها مزاحمة أو مناكفة، فكيف بمعارضة الاختيارات والمسارات الايرانية. لذلك كله، اضطرت دمشق أن تتكامل مع التوافق الأميركي الايراني. طهران أرادت نوري المالكي منذ البداية وأصرت عليه. كان خيارها وما زال. واشنطن رغم رغبتها وطموحها بوصول اياد علاوي لرئاسة الوزراء عادت وقبلت بالمالكي لأنها تريد الاستقرار في العراق، ليس لأن المالكي رجل الاستقرار، وانما لأنه مع الدعم الايراني يستطيع ضمان أكثر من 60 بالمئة منه. الباقي موزع على القوى الاقليمية، أي سوريا والسعودية وتركيا. الدور السوري في هذه العملية تسويق المعادلة الأميركية الايرانية، ويبدو أنها تحقق نجاحات حقيقية على قاعدة تقدمها ببراعة تقوم على العمل لضمان وحدة وعروبة العراق. هذه القاعدة العزيزة على قلوب العرب وايضاً تركيا لسبب آخر يتعلق برؤيتها عراقا موحدا وقويا يمنع تفجير المسألة الكردية في وجهها، أما دمشق فإنها تحصل على عائدات واستثمارات بالمليارات بموافقة ودعم ايراني لها.
أهمية لبنان على خارطة الشرق الأوسط، انه دولة حدودية مع إسرائيل، وانه كان وما زال أرض مقاومة تشكل ممراً إجبارياً ومفتوحاً في التوقيت الذي يناسب الأفرقاء لتفجير الوضع، سواء كان بالتفجير لتوجيه رسائل مضمونة، أو حرباً شاملة تؤسس لصياغة معادلات جديدة في المنطقة. لذلك تعمل مختلف القوى لكي يكون لها موقع فيه، يفتح لها الباب أمام المشاركة في اللعب المحدود أو في صياغة المعادلات الكبرى. الادارة الاوبامية تريد حالياً، المحافظة على الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط. في قلب هذه الخارطة لبنان. لذلك، فإنّ ازدواجية الخطاب النجادي، بين قصر بعبدا والملعب البلدي في بنت جبيل، تزعج لكنها لا تخيف.
واشنطن تعرف جيداً، ان لا أحد حالياً يريد التفجير انطلاقاً من لبنان، لأن لا مصلحة لأحد بالتفجير. إيران، بعيداً عن الخطاب الشعبوي لأحمدي نجاد في بنت جبيل والضاحية، ليس من مصلحتها إشغال ابنها الشرعي حزب الله في معارك جانبية لأن ذلك يضعفه مهما كابر. إضعاف الحزب يشكل خطراً بكل الحسابات الايرانية. احمدي نجاد لم يأخذ بعد الوكالة الأميركية التي يطالب بها ليصبح شريكاً في إدارة المنطقة. لا بل كان وسيبقى تحت خطر سكين الحرب الشاملة الاميركية الإسرائيلية المحتملة. طهران أكدت مراراً انها لا تريد الانزلاق نحو حرب غير مقدسة مع إسرائيل والولايات المتحدة الاميركية. أيضاً دمشق التي تكسب حالياً بالجملة في العراق ولبنان، لن تضيع أرباحها خصوصاً المستقبلية منها في أي تصعيد غير محسوب، خصوصاً وانها ما زالت تحت المراقبة. الدليل تكرار واشنطن الكلام عن دورها ومسؤوليتها بكل ما يتعلق بالاستقرار في لبنان. إلى جانب ذلك ليس من مصلحتها إقفال الباب أمام المفاوضات مع إسرائيل في المدى المنظور. أيضاً إسرائيل، رغم كل التهديدات بقيت ردود فعلها محسوبة ودقيقة وإعلامية، أي خطابات رداً على خطابات الهدوء على الخط الأزرق مع لبنان يبقى إلى حين تقع متغيرات انقلابية جديدة، هو الأهم والثروة التي يجب المحافظة عليها.
الرهان الكبير لمختلف القوى الدولية والاقليمية المعنية بلبنان تحديداً وبالشرق الأوسط بشكل عام، هو استمرار الهدوء والاستقرار، لعل الرهان الذي يخوضه الرئيس الأميركي باراك اوباما بالتوصل إلى حل او حتى صيغة حل للصراع الفلسطيني الإسرائيلي خلال عام. حتى ذلك الوقت، سيستمر الاستقرار المتوتر قائماً.

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00