8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

قمة برشلونة للاتحاد المتوسطي لن تعقد بسبب التحفظات والاعتراضات السورية والعربية والتركية

لن تعقد قمة الاتحاد المتوسطي في برشلونة قبل نهاية الشهر القادم. الصورة التي تمنى وعمل الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي، التي يجب أن تجمعه مع صديقه بيبي رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو والرؤساء العرب بشار الأسد وحسني مبارك وعبد العزيز بوتفليقة ورئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان لن يحصل عليها، مقدمات هذا الفشل السياسي الكبير بدأت مع إلغاء قمة باريس بين محمود عباس ونتنياهو وهيلاري كلينتون.
ما أراد ساركوزي تحقيقه خارجياً، لتسويقه داخلياً في عز الأزمات التي يعاني منها، لم يتحقق. الفشل يلاحقه داخلياً وخارجياً. يلزم الرئيس الفرنسي معجزة كبرى في زمن غابت عنه المعجزات لكي ينقذ نفسه، كواحد من أفشل الرؤساء في الجمهورية الخامسة وربما الرابعة. يبدو أن ساركوزي لم يحفظ القاعدة الأولى في السياسة وهي لا توجد هدايا وإنما مصالح يتم تبادلها بكثير من الدراسة والعناية وحسن التقدير لمفاعيلها لاحقاً.
في الأصل، مشروع الاتحاد المتوسطي، الذي تعددت اسماؤه وأهدافه واحدة منذ ولادته، ضم كل أسباب فشله المعلنة. كان يجب أن يكون مجرد منتدى يضم 47 دولة أو أكثر، يتم فيه التعارف على مستوى الرؤساء وتبادل الآراء على أمل رسم خريطة طريق مستقبلية لحالة أعمق وأكثر فائدة. ساركوزي أراد من هذا الاتحاد الدخول إلى جغرافيا الصراع العربي الإسرائيلي، وأخذ موقع له في رسم المسارات السياسية، بدلاً من التقوقع كما هو حاصل لكل الاتحاد الأوروبي في دور الصندوق المالي. مشكلة ساركوزي وكل الزعماء الغربيين الطامحين للعب دور في الشرق الأوسط، انهم يتغافلون عن ان الولايات المتحدة الأميركية أياً تكن إدارتها هي التي تفتح الأبواب لهم للجلوس إلى الطاولة في الوقت الذي يتناسب مع مخططاتها، وان الدول العربية مهما حاولت وأعلنت عن طموحات استقلالية، ما زالت متعلقة بالدور الأميركي وما يرسمه من مسارات سياسية سواء كانت مرحلية أو استراتيجية.
لا مصلحة لأحد عدا الرئيس ساركوزي في المشاركة بأي قمة للاتحاد المتوسطي. في ظل وجود الثنائي نتنياهو ليبرمان لا توجد أي فائدة ترجى من هكذا قمة. أي لقاء معهما، يشكل تسويقاً وقبولاً لمتابعة سياسة الاستيطان الإسرائيلية أولاً، وتغافلاً ومهادنة للتوجه الإسرائيلي لتنفيذ سياسة ترانسفير لعرب 1948، في ظل التوجهات الأخيرة للحكومة الحالية.
الرئيس نيكولا ساركوزي استبشر خيراً في بداية إعلان مشروعه الضخم للاتحاد الأوروبي، عندما قبل الرئيس بشار الأسد المشاركة في احتفالية اعلانه. كانت دمشق في تلك الفترة محاصرة وضعيفة، فقدمت ما قدمته للمساهمة في كسر سياسة العزلة عنها، ونجحت. الآن لا تبدو دمشق مستعدة لقبول ما قبلت به قبل عامين، فقد استعادت قوتها وحضورها. اصبح لها سلة من المطالب والشروط. دمشق ومعظم الدول العربية والمتوسطية، لا تقبل الجلوس مع افيغدور ليبرمان إلى طاولة واحدة. بلا شك الصورة مع ليبرمان إهانة للعقل قبل أن تكون للواقع السياسي. ايضاً لدمشق مطالب خاصة في فترة يجب ان تنتقل الرئاسة شمالاً من فرنسا إلى اسبانيا، فإنها ترى انتقال نيابة الرئاسة جنوباً من الرئيس المصري حسني مبارك إلى زعامة دولة عربية اخرى قد لا تكون الجزائر الموافقة والمتحمسة لهذا التغيير لأنه ليس لها علاقات مع إسرائيل، ربما تونس ورئيسها زين العابدين بن علي هما الحل. اسبانيا بدورها بعد الربط بين التغييرين تبدو متحمسة للموقف المطالب بنقل نيابة الرئاسة من مصر إلى دولة أخرى من الجنوب حتى يكون الانتقال على صعيد الشمال طبيعياً.
هذا في الشكل، أما في المضمون فإنّ العقد أكبر وأعقد بكثير. طموح الرئيس الفرنسي ساركوزي الكبير هو تحويل الاتحاد المتوسطي إلى وسيلة وليس غاية لإنجاز سلام اقتصادي بين إسرائيل والدول العربية قبل التوصل إلى حل نهائي. هذا الهدف نسخة مصدقة من الهدف المعلن لبيبي وهو اقامة السلام الاقتصادي مع الفلسطينيين وترك السلام السياسي القائم على إعلان الدولة الفلسطينية الى مرحلة قادمة قد تصل الى عدة عقود أخرى. والأرجح عدم حصوله خصوصاً مع كل التغييرات الاستيطانية وسياسة الأخذ بالواقع المتغير على الارض. من الطبيعي جداً، أن لا يقبل العرب وكل من يرى الحل في اقامة دولة فلسطينية قابلة للعيش أولاً، مثل هذا التوجه الذي يعني أولاً وأخيراً تجاهل المشاكل السياسية عن طريق استباق التسوية النهائية بسلام اقتصادي، وكان الصراع العربي الإسرائيلي هو على الرغيف وليس على الأرض.
الاغراءات الاقتصادية والمالية ضخمة جداً، وهي مغرية للكثير من الدول. مصر يمكنها الاستمرار في دعم الاتحاد لأنها في سلام مع إسرائيل، للحصول على المشاريع الضخمة الممولة من دول الاتحاد الأوروبي. ولكن كيف يمكن مثلاً تسويق اقامة مركز للأبحاث المتوسطية في بيروت، علماً أن رئيسه المقترح، مجرد التفكير بتسويق مثل هكذا مشروع بهكذا شروط هو ضرب من الجنون بالنسبة لبيروت حالياً ومستقبلياً. أيضاً طالما لا يقال عن الأراضي الفلسطينية، أراضي محتلة كيف يمكن الحوار؟.
لا تقف الاعتراضات على مسار الاتحاد بسبب تناقضات الرؤية حول الصراع العربي الإسرائيلي وكيفية حله فقط. تركيا وهي اليوم لاعب كبير في منطقة الشرق الأوسط بعد أن استعادت موقعها الطبيعي في الشرق دون أن تنسى طموحاتها الأوروبية، ليس متحمسة للاتحاد لا بل ترى فيه طعماً لن تنجذب اليه حتى يصطادها ساركوزي الرافض لانضمامها الى الاتحاد الأوروبي. تركيا ترى أن الاتحاد المتوسطي ليس أكثر من جائزة ترضية لها، حتى تقبل بما يريده ساركوزي وغيره لها وهو موقع الشريك وليس العضو في الاتحاد الأوروبي. لذلك حتى ولو شاركت تركيا في أعمال الاتحاد المتوسطي، فإن مشاركتها ستبقى باردة جداً، حتى تتأكد من سقوط فرضية جائزة الترضية. الى جانب ذلك، فإن تركيا المشتبكة مع إسرائيل، بعد عملية رياح السماء ضد سفنها غير متحمسة، لا بل ترفض مبدئياًَ الجلوس مع نتنياهو ليبرمان طالما لم يعترفا بمسؤولية حكومتهما عن سقوط القتلى من المدنيين الأتراك.
للاتحاد الأوروبي وخصوصاً فرنسا، الحق بلعب دور أساسي وقوي وفعال في أي عملية للسلام في الشرق الأوسط. لكن لا يمكن للأوروبيين وعلى رأسهم الفرنسيون أن يأخذوا موقعهم الطبيعي في رسم مسارات الحلول الا بالشراكة الكاملة مع الولايات المتحدة الأميركية، ودون القفز فوقها بمشاريع تضع عربة السلام الاقتصادي أمام حصان الحل السياسي وليس العكس.
البداية الحقيقية والفعلية تكون في العمل على أساس عودة الأرض كاملة مقابل السلام الشامل، وقيام دولة فلسطينية ذات سيادة وقابلة للعيش ومستقلة.
[email protected]

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00