سباق محموم ضد الوقت تقوم به باريس لضمان أمن واستقرار لبنان في ظل اقتراب ساعة المواجهة الحقيقية مع صدور القرار الظني للمحكمة الدولية الخاصة باغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري وباقي الشهداء. لا تخفي باريس مطلقاً قلقها وحتى خوفها من الوصول إلى هذه اللحظة، لأن لا أحد قادر حتى الآن على رسم صورة واضحة للوضع وتطوراته. كل ما يتم تداوله، هو سيناريوات متناقضة في نتائجها تذهب من أقصى التشاؤم إلى الواقعية المليئة بالألغام، التفاؤل ولو الحذر غائب حكماً.
لا يعود اهتمام فرنسا الفائق بأمن واستقرار لبنان بسبب خصوصية العلاقات الفرنسية اللبنانية ولا لشرعيتها المستندة إلى تاريخها الطويل. اهتمام فرنسا يرجع أيضاً في أساسه إلى ان الشأن اللبناني حالياً يشكل مسألة داخلية فرنسية مباشرة. أي ضربة توجه إلى الأمن في لبنان قد تصيب فرنسا والفرنسيين مباشرة. بهذا تداخل الأمن الفرنسي بالأمن والاستقرار اللبناني.
التداخل العميق بين الأمنين الفرنسي واللبناني، ناتج عن وجود أكثر من ألفي جندي فرنسي في قوة الأمم المتحدة اليونيفيل في جنوب لبنان. مشكلة باريس انها تتحرك وتنشط على أساس ان جنودها موجودون في فخ محكم، أي حركة غير مدروسة وخاطئة تنتج خسائر غير مقبولة سواء في الأرواح أو العتاد تضيف إلى مشاكل الرئيس نيكولا ساركوزي مشكلة اضافية صعبة. هذا القلق الزائد يعود إلى خوف حقيقي من وقوع عمليات ارهابية ضد الجنود الفرنسيين تضيع فيها الأدلة بسبب تعدد الخصوم وحتى الأعداء.
العقدة في كل ذلك ان باريس بدلاً من أن تهدد بالانسحاب فوراً من قوات اليونيفيل، وتضع الجميع أمام كل المخاطر والأخطار الناتجة عن الانسحاب لأنه سيكون معبراً شرعياً لانسحاب العديد من الدول خصوصاً الأوروبية مثل الايطاليين، فإنها حوّلت الوضع واحتمالاته إلى سكين على رقبتها تأخذ قراراتها على أساس هذه الوضعية. حجة باريس في البقاء وعدم التلويح بالانسحاب، أنها ستخسر دوراً وموقعاً لا يمكنها التخلي عنهما بهذه البساطة. وخصوصاً ان الرئيس ساركوزي يراهن كثيراً على لعب دور فاعل ومؤثر في أزمة الشرق الأوسط. إلى ذلك كونه سيرأس مجموعة العشرين الكبار والثمانية الكبار لا يمكنه التخلي عن هذا الدور المساهم في أن لبنان والشرق الأوسط معه.
البديل بالنسبة لباريس العمل بسرعة وكثافة ونشاط لتعطيل المفاعيل السلبية المتوقعة لدى صدور القرار الظني، من أجل ذلك، تتحرك باريس على اتجاهات عدة أبرزها:
[ تكثيف اللقاءات مع المسؤولين والقيادات اللبنانية بعد كسر الخطوط الحمراء كافة والتحفظات القديمة. لذلك فإن باريس التي استقبلت بحفاوة كبيرة جداً الرئيس نبيه بري على أساس انه خياره يبقى المحافظة على الدولة واستمراريتها، فإنها ستستقبل العماد ميشال عون الذي كانت توجد تحفظات قديمة، وبعد أن جرى إقفال صفحة تقديم الأمن الفرنسي صور فايز كرم مع المخابرات الاسرائيلية إلى الأجهزة الأمنية اللبنانية، ما كشف ظهره نهائياً أمام الاتهامات التي وجهت اليه. كما ان النائب وليد جنبلاط مر ويمر بباريس. والاتصالات متواصلة، كما سيلتقي الرئيس ساركوزي الرئيس سعد الحريري، إلى جانب ذلك فإن الادارة الفرنسية ستبقي خط الاتصال قائماً مع حزب الله وقد تتم دعوة أحد الوزراء من حزب الله إلى باريس الذي على الأرجح سيكون الوزير حسين الحاج حسن.
[ الهدف من كل هذه الدعوات واللقاءات تهدئة الأجواء بين الأطراف اللبنانية من جهة، والتأكيد من جهة أخرى أن صدور القرار الظني حتى لو تضمن اتهامات وأسماء، فلا يجب أن يكون نهاية لبنان. من الممكن التفاهم على تسويات وتفاهمات تحقق المعرفة وتضمن المسامحة.
[ إبلاغ كل الأطراف وفي مقدمهم حزب الله، ان باريس لن تقطع التواصل السياسي مع حزب الله، ولو وضع على لائحة الارهاب، باريس منذ الأساس تعاملت مع الحزب كأحد المكونات السياسية اللبنانية التي لا يمكن تجاهلها ولا عزلها بسبب خصوصية التركيبة الاجتماعية والطائفية والمذهبية اللبنانية. من الواضح ان باريس تعمل على تقديم كل الضمانات الممكنة لطمأنة الحزب حتى لا يكون رد فعله كما يصورها بعض السيناريوات المتشائمة من العمل على الامساك بالقوة بالبلد أو انجاز الانقلاب عبر الامساك بأكثرية مشكلة حديثاً.
[ اعادة ترتيب الوجود العسكري لوحداتها في قوات اليونيفيل في جنوب لبنان، من أجل تطويق تعرضها لأي عمل ارهابي يوقع خسائر غير مقبولة. أكثر من ذلك انه جرى سحب دبابات لوكليرك العاملة مع القوة الفرنسية، كما جرى وقف كل الدوريات العسكرية من أي طبيعة كانت للقوات نفسها، وجرى تحصينها على الأرض وتوزيعها على 27 وحدة، بحيث ان القوة الموجودة في قاعدة دير كيفا تحولت إلى قوة تدخل سريع لكي تدافع عن نفسها في حال حصول أي اعتداء ارهابي ضدها.
تعتمد باريس على نجاحها في هذا الدور الحيوي بالنسبة لها مثلما هو للبنان، إلى متانة علاقاتها وقوتها مع دمشق. خصوصية هذه العلاقات تسمح بهذا التوجه نحو البناء عليها، وهذا التفاؤل. تدرك باريس ان دمشق قادرة على التأثير بقوة وعمق وفعالية على كافة قوى 8 آذار وفي مقدمها حزب الله. لا يمكن للحزب تنفيذ أي قرار يضع دمشق في الزاوية أمام المجتمع الدولي خصوصاً باريس وواشنطن في وقت تبدو كل الأنظار متجهة اليها بكل ما يتعلق بلبنان وموقعها في قلب مفاصيله.
النجاح في هذه المهمة، ملح وضروري لأن الفشل فيها يدفع نحو الكارثة. لبنان واجه استحقاقات كبيرة ومعقدة في السنوات الأخيرة واستطاع تجاوزها. طالما أنه لا مخاوف عسكرية تترجم باجتياح مماثل لـ7 أيار، فإن الحلول تولد كما جرى في السابق بعد أن تصل التطورات إلى حافة الهاوية. بالنهاية لا أحد له مصلحة في السقوط في الهاوية، خصوصاً حزب الله لأنه يعرف جيداً انه غير مقبول وغير مسموح له ولا لأي طائفة أن تنفرد بإدارته مهما بلغ استقواؤه بقوته على الآخرين. وأن لا مستقبل ولا حتى لوجود الشيعة في لبنان خارج لبنان.
[email protected]
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.