في 1/5/2010، كان العنوان العريض لهذه الزاوية: الحل في العراق مؤجل حتى الخريف. أما العنوان الفرعي فكان: واشنطن لا تريد الضغط على الوضع العراقي الهش وطهران مطمئنة الى وضعها والعرب بلا رؤية. بعد أكثر من ستة أشهر، انتهت الأزمة في العراق ولم تنته نهائياً.
الاتفاق الذي توصلت إليه مختلف القوى والكتل العراقية جاء بعد تعب الجميع وشعورهم بأن اللعبة بدأت تخرج من بين أيديهم، وأنهم أمام ثلاثة خيارات:
[ الاتفاق على تقاسم مقبول للسلطات وتوازن جيد ينتج حكومة تمثيلية وشاملة.
[ الانزلاق نحو خيار إلغاء الانتخابات ونتائجها، ووضع كل الأحزاب والقوى أمام تجربة جديدة مكلفة على جميع الصعد، وغير مضمونة النتائج لأحد. الأصعب أن نتائجها لن تختلف عن الأولى، مما يعني اجترار الأزمة والمفاوضات والمساومات. لذلك من الأفضل تقديم تنازلات متبادلة ولو كانت مؤلمة على أن يبقى الجميع أسرى لمطالب ومواقف بدأ العراقيون يعلنون تعبهم منها.
[ انهيار العملية السياسية كلها ودخول العراق في حال فراغ سياسي وأمني، تفتح الأبواب على مصاريعها، أمام القاعدة واخواتها، زائداً التدخلات الخارجية المكلفة التي ستكون نتيجتها حكماً انهيار العراق كله. وهذا ما لا يتحمله العراقيون ولا القوى الإقليمية ولا حتى الولايات المتحدة الأميركية. تبقى إسرائيل هي المستفيدة الوحيدة من هذا الانهيار.
انتخاب جلال الطالباني رئيساً للعراق لولاية ثانية وتسمية نوري المالكي رئيساً للوزراء وانتخاب أسامة النجيفي العضو البارز في العراقية هو الخطوة الواقعية والايجابية لحل الأزمة. تبقى عملية تشكيل الحكومة، هي الجزء المتبقي من الحل الشامل، وهي جزء مهم ومعقد وأساسي. مسعود البرزاني رئيس اقليم كردستان العراقي والرجل القوي اليوم في التركيبة العراقية الحديثة، توقع الاتفاق النهائي خلال شهر، ما يعني أن الولادة الكاملة للحل ستكون قبل نهاية العام الحالي.
العام 2011 سيكون علامة مهمة في تشكيل العراق الجديد. الاتفاق الذي جرى التوصل إليه، يبقى هشاً، لكن لأنه كذلك، ولأن استقرار العراق يعني الجميع، فإن مختلف القوى من دولية خصوصاً الولايات المتحدة الأميركية وإقليمية من عربية وهي سوريا والسعودية، وإقليمية إيران وتركيا، مضطرة لا بل مجبرة على تأمين الرعاية الكاملة حتى لا ينهار هذا الاتفاق تحت الضغوط، الى حين يتم الاطمئنان فعلياً على قدرة القوى العراقية المختلفة على مواجهة الاستحقاقات الجديدة.
يبقى احتمال آخر، وهو شعور قوى خارجية متحالفة مع قوى داخلية أنها أصبحت قادرة ومتمكنة على تغيير الوضع لمصلحتها، فيقع قلب الطاولة. لا شك أن حصول ذلك سيكون مؤشراً مباشراً لتغيير عميق في المعادلات التي تتحكم بمنطقة الشرق الأوسط. ولا يبدو ذلك منظوراً في المستقبل القريب.
لبننة التسوية في العراق جلية جداً. المحاصصات المذهبية والقومية تؤكد ذلك، هذه التسوية كما جرى سابقاً في لبنان في الطائف أو الدوحة، لم تتم إلا بعد توافق الأضداد من القوى الإقليمية والدولية على الحل. مسعود البرزاني اعترف بوضوح بعد جلسة البرلمان وانتخاب جلال الطالباني رئيساً للجمهورية أن ضغوطاً إقليمية ودولية مورست على الكتل السياسية، في صلب هذه الضغوط ان استمرار الأزمة العراقية أصبح يهدد منطقة الشرق الأوسط. سعيد جليلي المسؤول الإيراني عن الملف النووي قال: إن استقرار العراق يعكس استقرار المنطقة والعكس صحيح.
القوى الدولية والإقليمية المعنية قدمت بدورها تنازلات مؤلمة للوصول الى هذا الحل. واشنطن أرادت من الأساس إنجاز الانسحاب العسكري بهدوء، وقد حصلت عليه، وهي لم تتدخل بقوة ليس لأنها عاجزة وانما لأن وضع العراق لا يتحمل الضغط، فالعراق بدا هشاً الى درجة ان الضغط عليه سيكون كما لو أنه على بيضة موضوعة على الصخر، الأفضل الحل الوسط الذي يضمن الهدوء والاستقرار للعراق.
طهران تعتبر انها حققت أكثر ما تستطيع بعد أن تأكدت من انه لا يمكنها فرض ما تريد أو أكثر مما يمكن لها بوجود الأطراف الأخرى. طهران مطمئنة لأن لها حصة في القوى الشيعية المختلفة وان بنسب متفاوتة. دمشق أرادت من البداية ان تأكل العنب ولا يموت الناطور. كانت أمام خطوط حمراء لا تريد كسرها وقد نجحت، في عدم الدخول بمزاحمة مع إيران وفي الوقت نفسه لم يسقط تحالفها مع السعودية لأنها بقيت تعمل تحت لافتة وحدة العراق وعروبته. أما تركيا فإنها، بقيت كما أرادت منذ البداية، لاعباً مهماً دون الكشف عن دورها بالتعاون مع دمشق والرياض. ولا شك في أن النجاح في إدخال أياد علاوي والعراقية الى الحل رغم اعتراضات اللحظة الأخيرة شكل عامل ثقة يمكن البناء عليه.
سؤال يهم اللبنانيين على مختلف اتجاهاتهم كيف سينعكس الحل في العراق على الأزمة اللبنانية خصوصاً وأنه منذ البداية قيل: إن مركز الأزمة والحلول والتسويات في العراق، وإذا أردت أن تعرف ماذا يجري في المنطقة ومنها لبنان عليك أن تعرف ماذا يجري في العراق؟.
لا شك، في أن الحل متى اكتمل في العراق، سيفتح كوة كبيرة في الطريق المسدود الذي يقف لبنان فيه. لا يمكن أن تتفق القوى الأساسية المعنية بالأزمة العراقية التي هي نفسها وان كانت مواقفها وأدوارها مختلفة ومتفاوتة تبعاً لاختلاف الدائرتين أو بالاصح الساحتين دون أن ينعكس ذلك مواقف وإجراءات ايجابية في لبنان. من شروط اللعبة وقواعدها عدم الفصل بين الدوائر أو الساحات المتداخلة. لا يمكن لأي طرف أن يأخذ ما يعجبه في ساحة ويرفض ما لا يعجبه في الساحة المتقاطعة الأخرى.
أثبت الحل في العراق، أن كل التهديدات التي صدرت من مختلف الأطراف العراقية، لم تكن أكثر من لزوم العرض المتواصل حتى ينضج الحل. كذلك في لبنان، فإن كل السيناريوات السوداء والتهديدات التي تصدر من هنا وهناك ليست أكثر من قنابل صوتية تؤذي ولا تجرح، تربك ولا تلغي.
يكفي لتأكيد ذلك أن المستشارة السياسية والإعلامية في الرئاسة السورية بثينة شعبان تقول بعد الاتفاق والتعليق الأميركي عليه: إن أمن واستقرار العراق ولبنان هامان لأمن واستقرار سوريا. النتيجة الأولى لهذا التوجه رعاية سوريا لأمن لبنان واستقراره لأنها لاعب إقليمي مهم من جهة، ولأنها من جهة أخرى اللاعب الأقوى في لبنان. السؤال كيف ستعمل دمشق لضمان الأمن والاستقرار في لبنان، خصوصاً وانها الأقوى لكنها حالياً تحت المتابعة والتدقيق لنشاطها من القوى العربية والإقليمية وبطبيعة الحال الولايات المتحدة الأميركية؟.
[email protected]
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.