8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

طهران تريد أن يصعد الحريري بحنكته وحكمته في سيارتها وهو يطلب الأمن والاستقرار للبنان

زيارة الرئيس سعد الحريري الى طهران، ليست من نوع الزيارات السهلة التي يمكن قراءتها فوراً دون دليل يفسر كل لقاء وكل كلمة على حدة. الانقطاع الذي حصل طوال السنوات الخمس الماضية، رفع منسوب الحذر المتبادل. غياب الثقة، فرض الانطلاق من الصفر تقريباً. الايرانيون استعانوا، بالماضي وعلاقاتهم الجيدة بالرئيس الشهيد رفيق الحريري، لبناء جسر للثقة مع الرئيس الابن سعد الحريري. أما الرئيس سعد الحريري فإنه ركز على المستقبل وبنائه لوصل ما انقطع. والمستقبل يقوم على بناء علاقات دولة مع دولة. الرئيس الحريري جاء الى طهران وهو يعرف جيداً، أن ايران دولة كبرى. والايرانيون على مختلف مستوياتهم، تعاملوا معه كرئيس حكومة وليس رئيساً لتيار. هذا الفهم المتبادل لموقع كل واحد على حدة فتح الأبواب نحو بناء صفحة جديدة من العلاقات، تقوم على المصالح المشتركة والاحترام المتبادل والتواصل الدائم بين المؤسسات والادارات المختصة بين البلدين. حتى هذا لا يبدو أمراً من السهل تنفيذه، وخصوصاً أن الهموم تبدو متعارضة أحياناً بين البلدين. همّ لبنان الكبير والأساسي، كيفية ضمان أمنه واستقراره، أما همّ طهران فهو كيفية الجمع بين ما تريده الدولة خصوصاً وان هذا الهدف يعني كل دول المنطقة، فأمن المنطقة واستقرارها من أمنها واستقرارها، وما تقوم عليها سياستها في دعم حزب الله والمقاومة، على طريق إلغاء اسرائيل. هذان الهدفان الايرانيان ليس سهلاً مزاوجتهما خصوصاً اذا كان أحدهما على حساب الآخر.
من القراءة العميقة لتاريخ العلاقات الايرانية ـ اللبنانية الحديثة، تظهر الصورة فاقعة. عام 1997 زار الرئيس الشهيد رفيق الحريري طهران. برنامج الزيارة تضمن جولة واسعة في متحف السجاد. وهو متحف يجسد هذه الصناعة التي يتجاور فيها الفن والاقتصاد بالمجتمع وبالعائلة الى درجة عدم الفصل بينها. في 2010، تضمنت زيارة الرئيس سعد الحريري جولة واسعة في المتحف العسكري الذي يجسد القوة والطموح للعب دور كبير في منطقة لا تستقر فيها المعادلات لكثرة المتغيرات. الجولتان تجسدان الانتقال الواضح بين مرحلتين. السجادة تعني في تلك المرحلة الاستقرار، في حين ان السلاح يعني عدم الاستقرار لأن لا شيء يفاجئ أكثر من قرقعة السلاح خصوصاً اذا جلجلت في الداخل. انتقال العلاقات من السجاد الى السلاح، يفسر الكثير من التعقيدات في العلاقات الايرانية اللبنانية. الايرانيون يرون ان السلاح يصنع المنعة، في حين أن المطلوب حالياً وفي مواجهة اسرائيل التي ما زالت تحتل أراضي لبنانية وتهدد سيادته، الجمع بين السجاد والسلاح في عملية تشكل العلاقات الايرانية اللبنانية. السجاد أيضاً يؤشر الى الهدوء والدفء والاستقرار والسلاح في هذه الحالة يحمي كل ذلك ولا يهدده.
السيارة التي أهديت الى الرئيس الحريري، لم تكن مجرد هدية عادية. بدت وكأنها دعوة ايرانية له للصعود بها والانطلاق في مساراتها. الحريري قبل الهدية، لكن من الواضح والايرانيون التقطوا ذلك بسرعة أنها لن تكون سيارته للتنقل على مختلف الاتجاهات والمسارات التي يرى أنها تخدم لبنان وأمنه واستقراره. خصوصية الحالة اللبنانية تحول دون ذلك. رمزية الهدية واضحة أيضاً في ما تريده طهران فعلاً.
[ كيفية إلغاء مفاعيل القرار الظني الذي سيصدر عن المحكمة الدولية، من باب الحرص على لبنان والمقاومة. المسؤولون الايرانيون شددوا في كل مرة جرى السؤال فيها عن آلية التنفيذ المقترحة لحل هذه المشكلة ـ اللغم، انهم يعتمدون على حكمة وحنكة الرئيس الحريري علماً ان اليد الواحدة لا تصفق مهما كانت قوية وفاعلة، والسؤال ما هي وجهة طهران على هذا المسار؟
[ البحث في موقع لبنان القادر على فتح كوّات في دائرة المقاطعة الدولية خصوصاً الغربية منها ضدها. بيروت المصرفية، وبيروت الجسر إلى العالم قادرة على لعب دور مهم جداً في ذلك، إلى درجة تحميلها ما لا تستطيع ان تفعله وهو ان تأخذ دور دبي في العمليات التجارية بكل أنواعها. إذا كان لبنان لن يكون جزءاً من منظومة دولية للضغط على الشعب الإيراني، فإنّه أيضاً لا يمكنه أن يكون طرفاً في مواجهة العالم خصوصاً واشنطن والاتحاد الأوروبي في زمن القرارات الدولية المقيدة للجميع.
[ ان يكون لبنان جزءاً من منظومة اقتصادية قاعدتها موجودة حالياً والمشكّلة من سوريا والاردن والعراق وتركيا وإيران. وإذا كان ذلك ممكناً في قطاعات عدة مثل الكهرباء والسكة الحديد والغاز، فإنّ لبنان لا يمكنه مطلقاً أن يكون جزءاً من منظومة سياسية تضعه في مواجهة منظومة أخرى. في محاولة لتطويق كل ذلك فإنّ الإيرانيين يقولون إنّ منظومة الستة الاقتصادية التي يريدونها يمكنها أن تصبح مع منظومة دول الخليج اثنتي عشرة دولة، أي ستة وستة مكرر، فيتم التكامل لخدمة المنطقة التي يجب ان تحل مشاكلها وحدها دون تدخل الخارج. حتى يقع ذلك، ما زال أمام الجميع فترة زمنية طويلة مليئة بالاختبارات والجهود.
الاتفاقات التي وقّعت، في مجمع سعد آباد تؤشر بوضوح إلى رغبات الدولتين في بناء علاقات مؤسساتية، لكن تنفيذ هذه الاتفاقات هو الذي يشكل التوجه الحقيقي للمسار الذي ستدخله العلاقات، وهذا يتطلب بعض الوقت لاختيار ترجمة النوايا بالأفعال. لذلك ستكون فترة الاشهر الثلاثة الفاصلة على أبعد تقدير لاجتماع اللجنة المشتركة كافية. الرئيس الحريري أبدى حرصه الكبير على نجاح التجربة عندما اقترح أن يترأس اللجنة عن لبنان وان يكون نائب الرئيس الايراني رحيمي شريكه في الرئاسة، وقد لاقى الاقتراح ترحيباً إيرانياً خاصاً، لأنه يسرع التنفيذ.
خلال كل اللقاءات الايرانية اللبنانية، بلغ من الحرارة الوجدانية التي أحاط بها الايرانيون الوفد اللبناني ان بعضه شعر بأن الايرانيين قد وضعوا بين أيديهم الشمس والقمر، مع العلم ان المطلوب وعود أقل وجهود أكبر لمواجهة الاستحقاقات القادمة، وفي مقدمتها العمل على نزع فتيل لغم القرار الظني. علماً ان الرئيس الحريري لم يطلب ولن يطلب أن تضغط أي قوة على أي طرف لبناني، وهو يضع لبنان دائماً حيث يجب أن يكون تحت مظلتين هما مظلة الحوار الوطني اللبناني ومظلة الرعاية السعودية السورية المشتركة والمستمرة للملف اللبناني.
لبنان عروس الشرق الأوسط. من الطبيعي أن يتزاحم الجميع لطلب يدها والحصول عليها بالرضا وأحيانا بالإكراه. تستطيع هذه العروس كما ترى طهران ان ترفض من يغازلها ولها الحق في مواجهة من يريد أخذها بالقوة، ولو بـالسكين، أما بيروت فإنها تجمع بين حق العروس بالمواجهة والمقاومة بشرط ألا تجرح يدها بـالسكين.
من سيقنع من على طريق بناء العلاقات المؤسساتية؟.
[email protected]

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00