2011 عام الأزمات العربية المفتوحة على كل الاحتمالات والمخاطر. أخطر من امكانية اشتعال أي أزمة على حساب الأزمات الأخرى، انسدادُ أفق الحلول الحاسمة وأحياناً حتى المؤقتة منها. بعض هذه الأزمات، يلزمها عمليات بتر حقيقية، والدواء الموجود لا يزيد عن حبّة اسبرين. العجز عربي ودولي، رغم ان خرائط جديدة ترسم لا تلغي فقط أوطاناً، وإنما تعيد رسم خريطة منطقة الشرق الأوسط كلها ومعها القارة الافريقية. اتفاقية سايكس بيكو ومؤتمر برلين تحت السكين، تمهيداً لزوال دول ونشوء أخرى. الولايات المتحدة الأميركية - وهي تصارع للبقاء- القوة الاحادية في العالم في مواجهة قوى قديمة - جديدة وأخرى صاعدة، تنمو وتتصاعد شراهتها لوضع يدها أينما استطاعت. في مواجهة الخطابات حول نهاية الامبراطورية الأميركية تعمل هذه الامبراطورية على التأكيد ميدانياً أنها ما زالت في بداياتها. قبل هذا القرن كانت الإدارات الأميركية تخجل أو على الأقل تخفي رغبتها لوراثة الامبراطورية الأوروبية بقناع الليبرالية خصوصاً في افريقيا. اليوم سقط هذا القناع. تريد واشنطن علناً وضع يدها على افريقيا والشرق الأوسط ومحاصرة الطموح الصيني. كانت هذه الامبراطورية تعمل عبر تمددها وعلى إطالة عمرها. الامبراطورية الرومانية سقطت بسبب طول المسافات بين روما ومستعمراتها. التكنولوجيا الحديثة أسقطت هذا العامل المدمّر، وعزز إطالة خطوط التموين.
مشكلة الامبراطورية الأميركية أنّ واقعيتها السياسية تجعل منها عملاقاً مقيّداً لا يستطيع الحركة في كثير من الساحات، خصوصاً في الشرق الأوسط. العلاقة العضوية لهذا العملاق بـالقزم الإسرائيلي لا تتناسب والاختلاف في حجميهما ووزنيهما. أحياناً كثيرة القزم يبدو أكثر قوة وحضوراً من العملاق. ولأنه في أكثر الأحيان يجلس على كتفيه فإنّه يعمل على خنقه برجليه وإجباره على تنفيذ مطالبه. عودة إلى ملفات الأزمات في المنطقة:
البداية من فلسطين أم الأزمات. طوال عامين لم تنجح الإدارة الأوبامية في التقدم خطوة واحدة، بالعكس تراجعت خطوات أمام التطرف الإسرائيلي مجسّداً بحكومة نتنياهو ليبرمان. بعد 19 سنة من المفاوضات المباشرة وغير المباشرة، تراجع الوضع ونجحت إسرائيل يومياً في تغيير الواقع على الأرض. حالياً تريد واشنطن مقاربة الوضع بطريقة أخرى. ما لم تتحرر واشنطن من انحيازها لإسرائيل، وما لم يهتم العرب بقضيتهم أكثر من اهتمامهم بكرة القدم ستستمر إسرائيل بالنجاح في سياسة القضم والهضم للأراضي الفلسطينية وللحضور العربي. ربما اعتراف الاتحاد الأوروبي بعد دول أميركا اللاتينية بالدولة الفلسطينية بحدود 1967 يشكل تياراً كهربائياً يوقظ واشنطن ويطرح أمام الإسرائيليين السؤال الكبير: إلى أين يريدون أن يصلوا مع تسونامي التطرّف الذي يركبونه؟
لبنان هو نقطة القطع والوصل لكل الأزمات من فلسطين إلى العراق. كل يوم يمر بسلام في لبنان هو عمر جديد للبنانيين. استسهال تهديد مصير لبنان واللبنانيين، بلغ حداً لم يصل إليه أي شعب. الجميع في الداخل والخارج يتاجر بمصير اللبنانيين. كأنه كتب عليهم أن يكونوا لحم مدافع للآخرين يقايضون به في كل مكان الا استقرارهم وأمنهم. لبنان بالنسبة للجميع ليس وطناً وإنما جسر للعبور. كيف سيخرج من الأزمة الحالية؟ لا أحد يعرف، لأن الثوابت نادرة والمتغيرات طاغية.
أما العراق فإنه كلما عثر على دواء جاءه داء أكبر. الآن يعيش على وقع لغم تقرير المصير للأكراد. أخذ الأكراد في العراق الكثير وتعاملوا ويتعاملون مع العراقيين على قاعدة ما لكم لنا ولكم وما لنا لنا وحدنا. مجرد تحول تقرير المصير إلى أفعال يعني ان خريطة جديدة ترسم في المنطقة، وان تركيا وإيران وسوريا في خطر. لا يمكن مطلقاً مهما كانت النوايا حسنة إلا رؤية أيدي إسرائيل الطويلة في كردستان وراء دفع الأكراد نحو الهاوية. أيضاً الأكراد ليسوا أكثر من لحم مدافع للإسرائيليين وغيرهم في عملية إعادة رسم الحدود في المنطقة.
من شواطئ البحر المتوسط إلى السودان المرشح لأن يكون عام 2011، دولتين، وربما مع مطلع 2012 يكون ثلاث أو أربع دول. انتهى الحلم بأن يتحول السودان إلى سلة غذاء للمنطقة. السودان يتحول إلى الجرح الأول والكبير في افريقيا. بعد السودان كل افريقيا مرشحة للسودنة. كل دولة مرشحة لأن تصبح أكثر من دولة. ما يجري في الصومال وساحل العاج ونيجيريا والكونغو وأثيوبيا وغيرها يؤكد ذلك.
أيضاً اليمن الذي كان سعيداً، مرشح لأن يصبح يمنين بعد أن غزته القاعدة. حريق اليمن وصوملة الصومال، يجعل أحد أكثر الممرات الجيوستراتيجية حساسية للعالم في خطر، الأرجح أنه سيجري تدويل المنطقة، تمهيداً لتغيير خريطتها.
المنطقة ما زالت محكومة بقاعدة الأواني المستطرقة. يكفي انفجار ساحة لتشتعل ساحات. من موقع الدفاع المشروع عن النفس مطلوب خروج العرب، أو بعضهم الفاعل، من كهف العجز الذي يقيمون فيه والذي قد يتحول إلى كهف الموت.
[email protected]
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.