أعياد نهاية السنة وعطلاتها، لم تحل دون تكثيف الجهود عربياً ودولياً، لملاقاة العام 2011 وقد أنجزت صناعة شبكة أمان للبنان تقيه استحقاقات وارتدادات القرار الظني الذي سيصدر عن المحكمة الدولية. القرار الظني الذي طال انتظاره لأسباب بعضها معلوم ومعروف وبعضها الآخر غامض أو مجهول، لا يعني لبنان وحده، لذلك تبدو مختلف القوى والدول مشغولة ومنشغلة باخراج لبنان من دائرة النار التي تحاصره. ذلك ان عدم صدور القرار او حتى تفريغه من مضمونه، يعني ابقاء لبنان واللبنانيين على مسار لم يخرج منه منذ عقود وهو السيارة المفخخة والمسدس كاتم الصوت. باختصار استمرار جمهورية الخوف، حيث الخوف وحده يقتل. أما صدور القرار كاملاً ومتكاملاً، مستنداً الى أدلة وقرائن واثباتات وأسماء، فإنه سيحدث زلزالاً غير مسبوق.
من الصعب تكرار تجربة الحكم في قضية لوكربي، أموال العقيد معمر القذافي سدت ثغرة مهمة والاستثمارات النفطية المنشودة شكلت قوة دفع أساسية للقبول بهذا الحل. المشكلة الآن أكبر من الأموال والنفط. خريطة الشرق الأوسط الجديد على الطاولة. المواجهات المفتوحة منذ الغزو الأول للعراق في عاصفة الصحراء حتى الملف النووي الايراني، تدور كلها حول صيغة الشرق الأوسط وطبيعة خطوط خريطته. جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري وكل ملحقاتها جزء أساسي من كل هذه العملية. لم يقتل الرئيس الحريري لأسباب لبنانية لبنانية فقط وانما لأسباب مرتبطة بشكل أو بآخر بهذه المواجهات في المنطقة.
كلام وزير الخارجية البريطاني حول امكانية وقوع حوادث أمنية في لبنان العام القادم رفع من منسوب الخوف، خصوصاً وأن البريطانيين ليسوا من الذين يرمون الكلام في الفراغ. من الواضح ان الأمر يتعدى الهواجس، لا بد أن لدى الوزير البريطاني وقائع معينة الى جانب محاولة توجيه رسالة تحذيرية للجميع من مخاطر اندلاع العنف في لبنان. ما يؤكد ذلك ان كل اللقاءات الثنائية المكثفة شددت على ضرورة العمل لتجنيب لبنان دورة جديدة من العنف.
لو كان العنف يعني لبنان فقط، لما حصل هذا الاجماع. لو كانت توجد ضمانة واحدة بأن العنف سيبقى محصوراً داخل الحدود اللبنانية الضيقة، لكان الاهتمام محدوداً. الاعتقاد الراسخ لدى مختلف الزعامات الدولية والاقليمية بأن أمن واستقرار منطقة الشرق الاوسط من أمن واستقرار لبنان، هو الذي يدفعهم للعمل من أجل العثور على معادلة تحقق العدالة والامن والاستقرار وتهدئة كل الأطراف المحلية والاقليمية من ارتدادات القرار.
الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي، الذي أخرج دمشق من العزلة الدولية كان واضحاً خلال لقائه مع الرئيس بشار الاسد بأنّ أي انفجار في لبنان أو انقلاب في موازين القوى، لن يبقى لبنانياً، وإنما سيصبح اقليمياً. لأول مرة تجد دمشق نفسها في قلب دائرة النار. أي حرب في لبنان ستطالها حكماً. السؤال هل دمشق مستعدة للانتقال من حالة الجبهة الخلفية للمقاومة إلى الخط الأمامي في المواجهة؟ الجواب يكمن في كلفة هذه العملية ومدى الاستعدادات الرسمية والعسكرية والشعبية للدخول في هذه التجربة؟
دمشق اعتادت دائماً قطف ثمار المقاومة في لبنان وحالياً في العراق، هذه المرة تبدو مضطرة إذا ما وقعت المواجهة إلى المشاركة في دفع الثمن وهو بجميع التقديرات سيكون ضخماً جداً لأنه على الأقل سيأخذ في طريقه إلينا، التنمية والازدهار، التي نجح الأسد الأب والأسد الابن في تقديمهما للسوريين.
أيضاً إيران تبدو رغم كل همومها الداخلية من اقتصادية ومن حرب ناعمة والنووية مشغولة جداً في اجتياز مرحلة الأخطار التي تهدد لبنان بسلام. ولذلك بعد عقود استفاقت طهران على اهمية تعزيز العلاقات بالسعودية وتركيا وبطبيعة الحال المحيط الجغرافي العربي كله. الملاحظ ان طهران تعمل على خطوط اقليمية ودولية عدة. الرئيس أحمدي نجاد يبدو متحمساً للمفاوضات مع الدول الخمس +1 وهو يعتبرها حالياً إيجابية.
بعد معادلة س+س الناشطة علينا، يبدو أن معادلة أ+أ أي إيران + الولايات المتحدة الأميركية ناشطة بهدوء وصمت أيضاً، كذلك هناك معادلة أخرى تعمل قطر لصوغها مع طهران تضمن تهدئة المحيط الخليجي، إضافة إلى الدور التركي الناشط. مجموع هذه المعادلات، صنع التهدئة في العراق وفتح الباب نحو تشكيل الحكومة الائتلافية فيه، ولا شك في ان كل هذه المعادلات لا بد أن تجد الصيغة الكفيلة بإخراج لبنان من تجربته الصعبة الحالية، وتشكيل شبكة الأمان الضرورية لأمنه واستقراره له وللمنطقة معاً.
[email protected]
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.