دخل العراق، مرحلة جديدة. تشكيل الحكومة الموسعة برئاسة نوري المالكي، خطوة كبيرة الى الامام على طريق الألف ميل للاستقرار. المخاض الطويل الذي استمر أكثر من تسعة أشهر، يؤكد عمق الأزمة العراقية، داخلياً وخارجياً. لم يكن من السهل، الخروج من الأزمة، مع وجود توازن بين القوى الداخلية، افرزته انتخابات تشريعية يمكن القول عنها انها كانت واقعية وشفافة، من دون الدخول في تفاصيل الترتيبات الخارجية التي انتجتها. حل الأزمة وحده شكل معركة مفتوحة للجميع. لم يكن الأمر مجرد تشكيل حكومة. الهدف اكبر بكثير، بعد الانسحاب العسكري الاميركي وظهور مؤشرات الى ان الادارة الأوبامية لا تريد ان تلعب دور رئيس غرفة العمليات. هموم الادارة ومشاغلها اكبر بكثير. اكتفت هذه الادارة بدور الرقيب الذي يعرف الجميع انه حاضر وقوي ومؤثر. الهدف من هذه الولادة التحضير لصياغة السلطة في العراق مستقبلاً. نجاح الحكومة أو فشلها، كيفية ادارة كل قوة سياسية أو طائفة أو عرق لموقعها في داخل الحكومة الحالية، سيرسم بشكل او بآخر موقعها مستقبلاً في التركيبة النهائية للسلطة. في الأساس هذه الحكومة بداية لمشروع مستقبلي، يتم البناء عليه منذ الآن.
نجاح نوري المالكي في تشكيل الحكومة الجامعة، لم يحصل الا بعد توصل الأفرقاء الخارجيين وهم: الولايات المتحدة الأميركية والجمهورية الاسلامية في ايران وسوريا وتركيا والمملكة العربية السعودية، الى توافق ما. هذا التوافق، حصل ثنائياً وأحياناً ثلاثياً وأخيراً جماعياً. عقدة القطع والوصل في كل هذا التفاهم واشنطن وطهران. توصلهما الى اتفاق ضمني يأخذ بالاعتبار مصالح كل طرف على حدة وارتداداته على ملفات وساحات أخرى مشتركة، هو الذي أنضج التسوية. قاعدة أساسية وضعت منذ البداية، وكان الأميركي والسوري والتركي والسعودي يريدونها مع اختلاف دوافع كل واحد على حدة، ادخال السنة العرب في السلطة، مهما طالت العملية. الخوف من جنوح السنة العرب نحو التطرف وانخراطهم في نشاطات القاعدة واخواتها، فرض هذه المعادلة. أيضا خروج السنة من عملية تكوين السلطة، يفتح الباب على مصراعيه نحو تفتيت العراق الى دويلات ومحميات. الرغبة العربية برؤية العراق موحداً، لعبت دوراً في رسم الحلول، وانضاج التسوية.
الحكومة المالكية، شكلت أيضاً على قاعدة حسابية، كل كتلة أخذت ما يوازي حجمها وموقعها. كل حقيبة حدد حجمها بحيث مجموع الحقائب للكتلة المعنية يوازي حضورها. وصلت لبننة النظام العراقي الحالي الى أعلى درجاتها. صحيح انه لا يوجد الثلث المعطل، ولا كتلة تمتلكها وتعطل نشاط الحكومة في خدمة المواطن، الا انها مشكلة عملياً من كتل معطلة ومعرقلة. الجديد في هذه التركيبة الغريبة العجيبة بالنسبة للديموقراطيات ان لا مصلحة لأي كتلة او ائتلاف في خلق مشكلة تؤدي الى تفجير التفاهم الداخلي والتوافق الخارجي. استمرار هذه الحكومة جزء أساسي من المصلحة العامة العراقية. سؤال حقيقي يواجه الحكومة المالكية: كيف سينفذ نوري المالكي الوعود المتناقضة التي وزعها بكرم غير طبيعي على مختلف القوى الداخلية والخارجية؟
عدم تماسك الحكومة المالكية سياسيا، مع الاتفاق على استمرارها، هو السلبية الكامنة فيها. اما الايجابية الكبيرة فهي ان هذه الحكومة متماسكة امنيا. المواطن العراقي الذي تعب من سبع سنوات عجاف في الأمن والاستقرار، طموحه الكبير الحصول على هذه النعمة. نجاح الحكومة في هذه المهمة وحده يشكل الباب الواسع نحو دخول القوى قلوب العراقيين. المهمة الثانية في تقديم الخدمات لهذا المواطن. كل وزارة تشكل وحدها كنزاً للعراقي العادي وللوزير المختص والقوى او الحزب الذي جاء منه. وزارة الصحة تعادل في أهميتها وزارة النقل كذلك وزارة التعليم. كل قطاع من القطاعات يحتاج الى اعادة تأهيل كاملة من الصفر.
العراق هو المركز في قوس الأزمات. خروجه من الأزمة، لا بد ان تحدث ارتداداته مفاعيل منظورة على باقي الأزمات. لبنان هو الأزمة الملحة حالياً لحلها. القلق الاقليمي والدولي يماثل قلق اللبنانيين من اشتعال الأزمة في لبنان. لأن أمنه واستقراره من أمن واستقرار منطقة الشرق الأوسط، فان الاهتمام الاقليمي والدولي سترتفع وتيرته في المستقبل المنظور. بعد العراق يمكن لكل القوى، التي هي نفسها وإنما مع اختلاف الأدوار والأحجام بالنسبة لمواقعها في العراق، التفرغ للاسراع في صياغة الحل. لا يمكن التوافق في العراق والتصادم في لبنان.
ربما يكون المخاض طويلاً، لكن رياح الحلول واضحة الاتجاه في المنطقة، ولا بد أن تمر بلبنان في العام 2011.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.