محاولة لبننة مصر أو عرقنتها، جريمة لا تغتفر. ليست مصر وحدها المستهدفة من تفجير كنيسة القديسين في الاسكندرية.
الوطن العربي من المحيط الى الخليج هو الهدف. أيضاً الإسلام والمسلمون. إغراق مصر في مستنقع الطائفية هو المقدمة الأولى لتفتيت الوطن العربي وتمزيقه الى كيانات طائفية ومذهبية متناحرة ومتحاربة.
جريمة تفجير كنيسة القديسين في الاسكندرية معدة بدقة متناهية من حيث المكان والزمان. أراد المجرمون أن يشعر المصريون بالزلزال وقد شعروا، وان يسمع العالم كله، خصوصاً في الغرب منه، دوي الانفجار وقد سمعوه. نجاح الإرهاب في هذه العملية لا يعادله سوى نجاحهم في 11 أيلول ضد نيويورك. الحزن لا يكفي. الصراخ أيضاً لا يكفي. الإدانة عمل عادي، المطلوب أكثر من ذلك بكثير في هذه الحرب المفتوحة.
استهداف مصر مطلع 2011، بدأ قبل ذلك بكثير. خروج مصر باسم السلام من الصراع التاريخي مع إسرائيل لم يكفها وحلفاءها في الغرب، رغم أن ذلك أنتج وطناً عربياً بلا رأس قابلاً للعطب والغرغرينا التي كانت الحرب ضد العراق احدى حلقاتها، والحروب في لبنان وهذه أبرز مفاعيلها. خرجت مصر من دورها القومي ولم تربح أكثر من فتح جسدها لكل الأمراض الداخلية. منطقة الشرق الأوسط، بقيت تاريخياً مثلثاً تتحكم زواياه القاهرة وإسطنبول وطهران بإدارته. خروج مصر منح إسرائيل المشاركة في التحكم بإحدى زوايا المنطقة، ومن الواضح أنها لم تكتف بذلك، لأنها تريد إلغاء تركيا وإيران بعد اكتمال تفتيت الوطن العربي في دويلات مذهبية وطائفية. المعروف أن هذا المشروع صهيوني، وهو مدعوم من قوى غربية كبيرة، ترى في الديموقراطية الإسرائيلية بديلاً من كل العرب.
كنيسة القديسين، كانت منذ الخريف الماضي هدفاً مميزاً للإرهاب الأصولي سواء جاء من العراق أو من تورا بورا في أفغانستان، رغم ذلك لم تتم حمايتها كما يجب. عندما يبقى المسؤول والوزير أكثر من خمسة عشر عاماً في موقعه، لا يمكن إلا أن تترهل الادارة لأن التملق والعمل كما يريد المسؤول هو سلم الصعود والترقي للموظف ولغيره وليس العمل والخبرة.
يمكن الحديث كثيراً عن دور الارهاب الخارجي ودور اسرائيل وأجهزة مخابراتية كثيرة في محاولة ضرب مصر، لكن هذا كله لا يكفي، لأنه لو اجتمعت كل القوى المخربة في الأرض ولم يكن جسد مصر مريضاً لما استطاعت أن تنجح في اسقاط شعرة من رأسها. تماماً كما في حالة لبنان، لو لم يكن اللبنانيون مصابون بـسيدا الطائفية والمذهبية لما تمكنت اللبننة من التوطن. يكفي مراجعة فشل العرقنة في العراق، للتأكد من ذلك.
توجد في مصر، شاء البعض أم لم يشأ، مشكلة قبطية. تهميش الأقباط داخل السلطة، زائد موجة التطرف الديني، زائد النشاط المتزايد لقوى غربية من المحافظين المتشددين والكنائس التي يمكن وضع ألف علامة استفهام حول ارتباطها بالصهيونية، يشكل كوكتيلاً قابلاً للاشتعال حتى ولو كانت مصر هي المستهدفة. يجب اعطاء الأقباط ما لهم وما يستحقونه من موقع ودور حتى يتم تحصين مصر.
بعد السودان وتقسيمه كل شيء ممكن، في منطقة حوض النيل. محاصرة مصر تتم من السودان وعبره. خمس سنوات مرت على مشروع الاستفتاء الذي شكّل الخطوة الأولى لتقسيم معلن ولم يتم عمل شيء. الآن استفاق المسؤولون في مصر، وأخذوا يتحركون باتجاه دول حوض النيل لربطها بمشاريع اقتصادية مستقبلية. لو تحركت هذه الادارة قبل خمس سنوات لكانت الآن فاعلة ومؤثرة.. يجب الأخذ في الاعتبار ان المصالح تتغير والعلاقات تبنيها المصالح. أخطر ما يحصل ان محاصرة مصر من اسرائيل في منطقة حوض النيل تكاد تكتمل. اسرائيل تكاد تمسك بوريد الحياة لمصر والمصريين. لذلك تصبح كل المشاريع بما فيها لبننة مصر وعرقنتها جدية.
يبقى أن القاعدة واخواتها، ألحقت بالمسلمين الخسائر تلو الخسائر. في حالة مصر تحديداً، لا يمكن الا التوجه الى أيمن الظواهري الرجل الثاني في القاعدة، ان تفتيت مصر هدف واضح لإسرائيل، أي جريمة بحجم جريمة الاسكندرية يعني المشاركة مع اسرائيل إما عن سذاجة وسوء تقدير وحقد أعمى، وإما عن سابق تصور وتصميم على قاعدة أنا وعدو عدوي ضد عدوّي. لذلك مطلوب من المصري أيمن الظواهري أن يسحب خنجر القاعدة من ظهر مصر.
اللعب بنار المذهبية والطائفية، في مصر وغيرها، خصوصاً وأن الخسائر التي لحقت بالمسلمين وخصوصاً العرب منهم أضعاف مضاعفة عن الغرب والغربيين. أما إسرائيل والإسرائيليين فلم يصابوا ولو بخدش بسيط، رغم أن كل ما يجري هو باسم فلسطين.
إرجعي يا مصر سالمة.. ترجع الأيام.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.