8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

المحكمة عنوان الصراع المفتوح على لبنان

يأمل اللبنانيون، ألا تطول الأزمة، وأن تكون سياسية، وأن يبقى الأمن مضبوطاً، والشارع ممسوكاً. لكن ليس كل ما يتمناه اللبنانيون يتحقق، لأن الرياح التي تهبّ عليهم من الخارج أقوى منهم. المشكلة أنّ نوافذ بيتهم المتعدد المنازل مشرعة أمام تلك الرياح. عملية الانفصال السياسي جرت من دون عنف. لا يبدو حتى الآن أن أي طرف يتجه نحو التفجير. المستجدات الخارجية أكثر من الداخلية، هي التي ستحدد مسار الأزمة. أخطر ما في ذلك كله، أن معظم السيناريوات المطروحة، لها وجهة مشتركة باتجاه أن تطول الأزمة، إلى درجة يسأل الكثيرون في الداخل والخارج هل يتفوّق اللبنانيون على العراقيين ويتجاوزون رقمهم وهو سبعة أشهر، أم تساعدهم الإرادات الإقليمية والدولية فتجنبهم هذه الكأس المرّة؟ أكثر من ذلك تعمل وتنجح في إبقاء الطبخة في طنجرة الضغط بحيث تنضج كل العناصر من دون حصول أي انفجار؟
دمشق، هي اللاعب المركزي في الأزمة اللبنانية. حزب الله يبقى لاعباً محلياً، يتلقى وينفذ أكثر مما يرسم ويحيك. طهران، لاعب هجوم ودفاع في الوقت نفسه، لكن لهذا اللاعب مشكلة في مواجهة الحكم السوري، الذي يحسب عليه كل خطوة رغم حاجته له في دعم اللعب وتطويره. طبعاً كل طرف يريد الربح لكن في الوقت نفسه يعمل لأن يسبق الجميع في التسجيل. حزب الله نجح في تسجيل هدف له، عندما أنجز مع المعارضة انقلابه الدستوري فأسقط الحكومة. الدافع المباشر لهذا الانقلاب المحكمة الدولية. حزب الله لا يريد المحكمة وقرارها. دمشق تعترف بالمحكمة ولا تريد قرارها. يبقى الهدف واحداً وهو إلغاء المحكمة، حتى ولو أنها تشكلت بقرار دولي. الموقف اللبناني الذي يريده حزب الله ودمشق سينتج عنه الوفاة السريرية للمحكمة.
الانقلاب الدستوري، يبقي الأزمة مفتوحة ولكن مضبوطة. المعارضة اللبنانية بزعامة حزب الله لم تنفذ الانقلاب لو كانت دمشق تثق بأنها حققت ما تريد. مشكلة دمشق مزدوجة. الأولى مع باريس ساركوزي التي أكدت مراراً لدمشق أنه لا يمكن لها أن تطلب دائماً ولا تقدم شيئاً للآخرين، أي الأميركيين. بالنسبة لباريس دمشق لم يتطور موقفها، وحماسها للتفاوض حول الجولان تراجع. أمام استمرار وتواصلية التطرف الإسرائيلي لم تجد دمشق مخرجاً للتحرك كما تردّد. لكن البند الأساسي في الحذر الفرنسي من الموقف السوري: أن دمشق لم تبرهن حتى الآن عن تطور موقفها من لبنان الذي يشكل مختبراً فاعلاً لنواياها؟. دمشق تريد أن يرجع الزمن إلى الوراء. أبرز عناوين هذه العودة: الإمساك كلياً بمفاصل الملف اللبناني. خصوصاً في الجانبين الأمني والسياسي بما في ذلك وحدة المسار والمصير، والشراكة الكاملة في الجانب الاقتصادي منه. باختصار استعادة وكالتها الحصرية على لبنان والعودة إلى ما قبل 2005. في الوقت نفسه يجب حذف المحكمة وما ينتج عنها سواء ضدها أو ضد حزب الله. واشنطن لا تبدو مستعدة للأخذ بكل هذه المطالب، خصوصاً وأنّ دمشق لم تقدم شيئاً مقابل كل مطالبها. في العراق، إيران هي التي أعطت وقدمت، وليس دمشق التي ساهمت وأخذت في جميع الأحوال.
أمام هذه المواقف، سؤال كبير، دمشق وهي تدفع المعارضة في لبنان إلى الانقلاب الدستوري: هل تقوم بمناورة سقفها عالٍ وعلى حافة الهاوية، أم أنها تخوض معركة تحدٍ حقيقية تحشر فيها واشنطن وباريس أمام الخيارات الصعبة التي خلاصتها أنا ومعي أو الانفجار الكبير الذي يمكن أن يبدأ من لبنان؟
الجواب على هذا صعب حالياً، خصوصاً وأنه ما زال غير معروف إلى أين وصل المسار الأميركي الإيراني في التفاوض والتفاهم؟ هل انتهى في العراق وأفغانستان أم أنه ما زال مفتوحاً على وجهات أخرى؟ وهل تلتزم طهران بقرار الحكم السوري في لبنان أم يمكنها الالتفاف عليه لأن تعدّد الملاعب يفرض كثرة الحسابات؟
أيضاً ماذا عن واشنطن التي حساباتها أكبر من لبنان إلى جانب غياب العلاقة العاطفية الموجودة بين باريس وبيروت؟ غياب الإجابات يفرض نوعاً من تحكم التجربة العراقية في تشكيل الحكومة، لأن الأساس في صياغة الإجابة البسيطة على هذه الأسئلة الصعبة والمعقدة، معرفة حقيقة وجهة العلاقات السورية- الأميركية؟
من الآن وحتى يخرج الدخان الأبيض، يبدو أن كل الجهود تصب في كيفية ضمان أمن واستقرار لبنان وأن فرنسا هي الناشطة الكبيرة حالياً، لأنها على علاقة طيبة مع دمشق رغم كل الشكوك الظاهرة، وعلاقة تاريخية مع لبنان، مع وجود تفاهم وتناغم لها مع واشنطن، ظهر خلال لقاء القمة بين الرئيسين باراك أوباما ونيكولا ساركوزي، الطامح للعب دور مؤثر أثناء رئاسته لمجموعتي العشرين والثمانية الكبار.
المحكمة عنوان المواجهة، لكن الصراع المفتوح هو على لبنان.
[email protected]

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00