8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

ليلة القبض على السلطة!

دمشق وطهران في حالة هجوم. العاصمتان تشعران بالقوة. دمشق عادت لاعباً قوياً في المنطقة وحتى في ادارة الصراع. طهران رغم العقوبات وفعاليتها نجحت في قضم الوقت وهضمه، وحالياً تعمل على النجاح في قضم المطالب وهضمها وتحويلها الى مكاسب.
الهجوم الذي تشنه دمشق وطهران في لبنان، لم يبدأ مع ليلة القبض على السلطة، وانجاز حزب الله الانقلاب الدستوري، وتثبيته بإمساكه الكامل للأرض. حزب الله في العملية هذه، نفّذ دوره بدقة. للحزب مصلحة مباشرة في الامساك بالقرار في السلطة. بهذا يرضي الحزب دمشق وطهران، بعد أن أصبح طرفاً مؤثراً وفاعلاً يملك هامشاً واسعاً في صياغة الحركة السياسية بالتفاهم والتوافق معهما. حزب الله شريك محدود للعاصمتين، لأنه مهما بلغ حجمه فإنه لا يستطيع الخروج من تحت خيمة الولي الفقيه آية الله علي خامنئي، ولا من دمشق الأسد التي تمسك بوريده. دمشق هي التي فتحت له كل معابرها ليصبح بهذه القوة الصاروخية. رغم ان دمشق بحاجة الى حزب الله لأنه يمنحها قوة وحضوراً تعترف بهما، الا ان هذه التبادلية لحاجة كل واحد منهما للآخر تبقي الكفة راجحة لمصلحة دمشق. الرئيس بشار الأسد تعلم من والده الراحل حافظ الأسد ان تكون الكلمة الأخيرة له وليس لأي حليف أو شريك مهما كان حجمه. الهدف من الهجوم، رفع رصيد العاصمتين وقذف كرات النار في وجه واشنطن.
الهجوم الأول تمّ في العراق. نجحت طهران في تسويق قرارها بالحفاظ على نوري المالكي رئيساً للوزراء. الموقف الأميركي الغامض نتيجة للعلاقة التبادلية في المصالح والمواقع سهل لطهران هذا النجاح. دمشق أخذت حصتها برعاية وقبول ايراني. من الطبيعي أن تبادلها دمشق في لبنان ما كسبته منها في بغداد. كانت طهران تريد تهميش اياد علاوي وكامل المصعد السني الذي حمله الى موقع المنافسة. لم تنجح، لأن بديل السنة وشراكتهم في السلطة، هو فتح أبواب العراق على مصراعيها أمام القاعدة والعرقنة.
الهجوم الثاني كان وما زال مستمراً في غزة والضفة الغربية. طهران ودمشق تدعمان استيلاء حماس على السلطة في غزة، وفصلها عن الضفة الغربية. الهجوم مستمر وهو ما زال ناجحاً، لا تهم الجهة التي تساهم إرادياً وعن سابق تصوّر وتخطيط في دعم الهجوم. المهم أن يدعّم سلطة حماس في غزة على أمل الإمساك في يوم آخر بالضفة الغربية، الوثائق التي نُشرت على المدى الذي وصلت إليه تنازلات السلطة برئاسة محمود عباس، تمنح أشرعة حماس المحاصرة قوة دفع مهمة. المحصلة الحقيقية لكل ذلك إضعاف السلطة وعزلها شعبياً تمهيداً لنزع الشرعية الوطنية الكاملة عنها. لا شك في ان إسرائيل ترغب بذلك. التنازلات التي قدمتها السلطة في الضفة خصوصاً في القدس لم تنجح في تعديل الموقف الإسرائيلي المتطرّف. أخطر ما يلوح في أفق المستقبل، ان الحكومة الإسرائيلية والمجتمع الإسرائيلي ينزلقان بسرعة نحو التطرف اليميني الذي لا مجال للحوار معه فكيف بالتفاوض. حالياً التعامل مع بنيامين نتنياهو قد لا يطول لأن افيغدور ليبرمان يستعد للاستيلاء على السلطة بعد أن أصبح شريكاً لرئيس الوزراء. أفضل السيناريوات المطروحة للتخلص من هذا المأزق، أن تتم ادانة ليبرمان قضائياً في قضايا فساد مالية معروفة. كل التطورات الحاصلة في فلسطين وإسرائيل تخلق مشكلة إضافية لواشنطن، يمكن لطهران ودمشق استثمارها إلى حين.
الهجوم الحالي على لبنان، أصبح مكشوفاً بوضوح. حتى الآن توجد عوائق محلية واقليمية دولية تضع علامة استفهام حول موقف دمشق منها. حزب الله هو الأقوى ميدانياً، نجح في قلب الأقلية إلى أكثرية. هذا الانقلاب والقبض على السلطة، يخدم دمشق وطهران، لكن هذا النجاح سيف ذو حدين، لأنه إذا كان يقويهما ويخلق مشكلة إضافية لواشنطن، فإنّه ينقلهما من حالة المراقبة إلى المواجهة. الاطمئنان إلى غياب الحرب يشجع العاصمتان على المغامرة حتى حافة الهاوية. تكليف الرئيس نجيب ميقاتي برئاسة الحكومة، لا يكفي. المهم التشكيل الحكومي. السؤال الكبير هل يستطيع وحتى يقبل الميقاتي بتشكيل حكومة من لون واحد؟ مهما صاغ لها التبريرات والأعذار، فإنّ نصف التمثيل النيابي الشعبي، سيكون مغيباً ومُبعداً، اضافة الى عزل الكتلة السنّية الأكثر تمثيلاً للسنّة. ولا شك ان هذه الحالة أكبر بكثير في حجمها ونتائجها من المحاولة الفاشلة لتغييب وتهميش السنّة في بغداد. يستطيع حزب الله ألا يشارك في الحكومة حتى يرفع عنه المسؤولية عن تشكيلها ونتائجها، لكن ذلك لن يعفيه مطلقاً من المسؤولية أمام العالم لأنه هو الذي يتزعم إدارة اللعبة الداخلية. دمشق وطهران نجحتا في قذف كرة نار أخرى ضد الإدارة الاوبامية، الخطر ان المفاوضات على حافة الهاوية قد ينتج عنها في لحظة معينة تخطئ فيها الحسابات بالسقوط في الهاوية.
لبنان ليس وحده في خطر. أيضاً دمشق مهما بدت قوية في خطر، لأنها تعرف أكثر من غيرها ان أي تحول في موازين القوى ينتج عنه نتائج انقلابية بعضها غير متوقع.
حمى الله لبنان وسوريا من... التجربة!

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00