الارتباك الطاغي على ردود فعل العواصم الكبرى في العالم على عاصفة الغضب الشعبية في مصر، يؤكد عمق المفاجأة واتساعها. أمام مثل هذا الحدث الشعبي غير المسبوق في مصر، رغم تاريخها الغني بالأحداث، لا يمكن صياغة ردود فعل فورية سواء كانت عدائية أو مؤيدة. أكثر ما يربك هذه العواصم، عدم معرفة أو حتى تقدير واقعي لنهايات ما يحصل. الحدث ما زال في بداياته. العاصفة بالكاد بدأت، وارتداداتها لم تتبلور بعد. حتى الآن لا أحد يمكنه القول إن العاصفة هي ضد حكومة تشكلت قبل ثلاثة عقود رغم تغير طفيف في الوجوه أم ضد نظام قام قبل ستة عقود. فرق كبير بين تغيير حكومي وسقوط نظام. لكل حدث مفاعيله على مصر ومنطقة الشرق الأوسط.
تغيير الحكومة المصرية، لم يهدّئ الشارع. الجيش المصري الذي يبقى مؤسسة متكاملة ما زال موقفه غامضاً، كيفية تصرفه وردة فعله اليوم على التظاهرة المليونية التي تمت الدعوة اليها، ستوضح جزءاً مهماً من الصورة. في جميع الأحوال أثبت الجيش، عندما أخلى الأمن المركزي شوارع القاهرة ومدن مصر، أنه الضامن الوحيد والشرعي لأمن مصر. ثأرت المؤسسة العسكرية لنفسها من إبعادها لمصلحة الأمن المركزي الذي تضخم على حسابها. في جميع الأحوال ما زال دفتر الحسابات مفتوحاً، لذلك يصعب قراءة الأحداث القادمة.
واشنطن، تبدو غارقة حتى أذنيها بتطورات العاصفة ومفاعيلها في مصر. واشنطن تدرك أنه لا يمكن مقاومة هذه العاصفة والوقوف في وجهها، لكنها لا تريدها أن تضع مصر أمام المجهول ومعها كل منطقة الشرق الأوسط. الرئيس باراك أوباما، يدرك أكثر من غيره أبعاد الخطر المتشكل في منطقة الشرق الأوسط. ربما أوباما أدرك منذ وقت طويل، ان احتلال العراق وتغيير السلطة فيه بطريقة انقلابية، لا يمكن أن يمر مروراً عابراً في المنطقة. طالما أن العراق هو المركز في المنطقة لا يمكن أن ينقلب المركز على نفسه وتبقى الأطراف ثابتة لا تتغير. أبعد من ذلك، تغير العالم كله مع العولمة وقبلها مع سقوط حائط برلين وانهيار الاتحاد السوفياتي وبقي العالم العربي ثابتاً في تحدٍ غير مسبوق لكل قواعد الجيوستراتيجية.
الآن دق جرس التغيير في وقت ليس مناسباً لواشنطن، خصوصاً وأن المنطقة والعالم كله أمام خطر الأصولية. كيفية خروج مصر من العاصفة دون السقوط في أحضان الجماعات الإسلامية خصوصاً الأصولية منها هو الشغل الشاغل للجميع من واشنطن الى القاهرة. استقرار مصر من استقرار المنطقة. لا أحد يلعب بالنار المصرية إلا ويحرق بيته قبل يديه.
[ باريس الساركوزية ضائعة، ليس بسبب مصر، وانما لغياب رؤية واضحة للسياسة الخارجية الفرنسية تجاه كل ما يحصل في العالم. الرئيس الفرنسي ساركوزي يريد أن يدخل التاريخ وهو غير قادر على ذلك. الرئيس حسني مبارك كان يحمل عنه عبئاً ثقيلاً في حوض البحر الأبيض المتوسط. على ساركوزي الآن أن يتعامل بواقعية مطلوبة منه مع تطورات العاصفة الشعبية في مصر حتى لا تخرج فرنسا عن مبادئها، وفي الوقت نفسه تبقي على الخيط الرفيع الذي يربطها بمن كان يسميه ساركوزي الحكيم.
[ إسرائيل المتطرفة بدأت تدفع ثمن تطرفها. كلما تراجع العرب خطوة انزلقت إسرائيل خطوات نحو هاوية التطرف والتشدد. الآن مع مصر بدأت قواعد اللعبة تتغير. مهما جاءت نتائج التطورات فإن مصر ما بعد 25 كانون الثاني مختلفة اختلافاً شاملاً وعميقاً عن مصر ما قبل 25 كانون الثاني. إسرائيل التي عاشت على قاعدة بن غوريون في قيام حلف الضواحي المشكَّل من تركيا وإيران وأثيوبيا، لحمايتها، تجد نفسها حالياً عارية أمام حلف انقلب عليها مع تغير تركيا والعلاقات المحدودة التي تربطها بأثيوبيا؛ أما السلام البارد الذي أقامته اتفاقية كامب دايفيد فإنه يدخل الثلاجة. إسرائيل تجد نفسها أمام مفترق طرق عليها إعادة حساباتها جذرياً، وإلا فإنها مضطرة للاستعداد لمرحلة مليئة بالحروب، التي ستجد نفسها فيها أمام واشنطن أوبامية تأمل بأن يؤدي ضعفها الى سماعها لصوت العقل والعودة الى إنتاج معسكر سلام وأدته بنفسها.
يبقى أخيراً أن العرب أمام امتحان كبير. القول إن ما حدث في تونس ويحدث في مصر ليس أكثر من سيناريو أميركي موضوع بمهارة ودقة، قد يعفيهم من المسؤولية موقتاً ولكنه لن يجعلهم بمنأى عن نتائج العاصفة، لأن مصر كانت وستبقى صانعة مسارات حاضر الأمة ومستقبلها.
[email protected]
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.