الشكر كل الشكر للرئيس علي عبدالله صالح، لقراره الشجاع والمحسوب بدقة في عدم ترشيح نفسه لولاية رئاسية جديدة تؤهله لأن يصبح رئيساً مدى الحياة، وسحب ابنه العميد أحمد صالح قائد الحرس الجمهوري من التداول كوريث له يثبت تحويل الجمهورية اليمنية الى جمهورية ملكية.
حسم الرئيس اليمني أمره وقراره فور قراءة ما حصل في تونس وما يحدث في مصر، وحدّة موقف الرئيس الأميركي باراك أوباما وباقي زعماء أوروبا وعلى رأسهم الصديق الصدوق الرئيس نيكولا ساركوزي. عندما ينقلب زعماء بحجم أوباما وساركوزي وميركل على أنفسهم ويتخلون بهذه السرعة عن حكيم الشرق الأوسط، يعني انه لا يوجد أحد يغيّر من تعاملهم الفوري والحاسم مع منطقة المتغيرات، التي تشكل المقدمة لكتابة تاريخ جديد لمنطقة حساسة على الصعيد الجيوستراتيجي مثل الشرق الأوسط.
لا يمكن مهما بلغ التجاهل أو المكابرة، قراءة الثورة في مصر، دون استقراء خريطة الثورة في إيران في مثل هذه الفترة قبل 31 عاماً. ثورة شباب مصر غير المسبوقة حتى ولو كان عطر الياسمين التونسي قد عبر سماءها ومدن المقابر والعِذَبْ في عمق الصعيد، تحمل خصوصية بحجم مصر وموقعها ودورها في المنطقة. الصلابة والتصميم والإصرار على المواجهة والنجاح التي أبداها شباب مصر ويبدونها في ساحة التحرير تتجاوز كل التقديرات والتوقعات. صمود هؤلاء الشباب واستبسالهم أمام القصف بالحجارة في ساحة التحرير وعدم تراجعهم، وحدها تشكل تحولاً جذرياً في رفضهم لأن يصنع الآخرون حاضرهم، فكيف بمستقبلهم؟.
الثورة في إيران، كانت مؤطرة ومنظمة ولها قائد يحظى بالشعبية هو الإمام الخميني. ثورة شباب مصر خارجة من الارض أولاً والممارسات التي جرت ضدهم، واستبعدتهم من ممارسة دورهم وواجبهم، وأيضاً حداثة العصر التي عرّت كل الأنظمة في العالم، حيث لا يمكن بعد اليوم مهما كانت الديكتاتورية راسخة وقائمة على جرائم حرب حقيقية أن تخفي ما تفعله. الدليل أيضاً نابع من إيران. كل القمع الذي مورس ضد الانتفاضة الخضراء نقل لحظة بلحظة. ثورة مصر تؤسس لشرق أوسط جديد. لكنه بالتأكيد لن يكون شرق أوسط على قياس ما أراده جورج بوش ولا أنظمة استهلكتها ممارساتها اليومية ضد شعوبها أساساً وشبابها أولاً وأخيراً. لا يمكن لشباب مصر مهما بلغ تديّنهم أن يقبلوا بتحول مصر الى جمهورية إسلامية على مثال الجمهورية الإسلامية في إيران، لأنهم يتابعون يومياً عبر الانترنت، ماذا فعلت الثورة بالشباب الإيراني. الشرخ الذي وقع غداة الانتخابات الرئاسية والمواجهة التي وقعت بين السلطة والشباب، يضعان كل فريق على ضفة من ضفتي الشرخ.
من المبكر جداً مطالبة ثورة الشباب في مصر، برسم مسارات جديدة متكاملة. ما زال أمامها مهمات كبيرة أبرزها وأهمها منع سرقة الثورة منهم وبناء نظام جديد على نقيض النظام القائم. لم يعد مقبولاً أن تكون الانتخابات مجرد استفتاءات معلّبة لقرارات مسبقة. لم يعد مقبولاً استمرار حالة الطوارئ مهما كانت الأسباب. الشباب المصري الذي لم يخرج عن النظام أمس أكد أنه ليس فوضوياً ويرفض التخريب. وأنه عندما قاوم وصمد انما فعل ذلك في مواجهة المخربين. من المؤكد ان قوى جديدة ستصعد إلى السلطة، سواء في مصر أو تونس أو اليمن والجزائر قوى مختلفة في الانتماء والتوجهات عن كل ما سبقها. لغة هذه القوى خارجة من مفردات الديموقراطية والعدالة والمساواة في الحقوق والواجبات والفرص. لم يعد مقبولاً في دولة مثل الجزائر حيث مدخولها القومي من النفط يتجاوز سنوياً 26 مليار دولار، والشباب فيها يمتهنون مهنة فريدة هي الحائطيون أي الذين يمضون النهار يسندون ظهورهم إلى الجدران لأنهم بلا عمل ولا مال حتى للجلوس في المقاهي. ايضاً لا يمكن للشباب في مصر أن يعانوا من البطالة والفقر وهم يرون مجموعة من عشرات المتسلقين، كانوا قبل أقل من عقدين من الزمن مجرّد طامحين مستعدين للتضحية بأخوتهم وتحويل جلد آبائهم طبولاً يرقص على نغمها مَن يملكون القرار، تبلغ ثرواتهم أكثر من 300 مليار دولار.
أيضاً لا يمكن لشباب مصر الذين قيل لآبائهم وصدّقوا ما قيل لهم ان خروج مصر من الصراع العربي الإسرائيلي، سيوقف نزيف الدماء والمال وتتحقق التنمية، فتحقق الاول وغاب الثاني. أكثر من ذلك فإنّ إسرائيل التي تعلن قلقها اليوم من الثورة والتحولات في مصر والعالم العربي، هي التي دفعت الشباب المصري إلى الانفجار لما مارسته من استهتار بالكرامة الوطنية المصرية، وما صاغت من مؤامرات للنيل من الأمن القومي المصري خصوصاً في دول حوض النيل. إسرائيل مضطربة اليوم، وهي تعترف انها مضطرة لإعادة حساباتها بعد مفاجأة 25 يناير كانون الثاني.
شرق أوسط جديد معطَّر برائحة الياسمين، ومرسوم بإرادة شباب خارجين من ساحة التحرير واستثمار الحداثة العلمية. نعم بكل تأكيد لكن من المؤكد أيضاً ان هذا الشرق لن يكون مثل أي شرق يريده الآخرون على مثالهم.
الربيع... آتٍ كـالعاصفة لا يعترف بالحدود.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.