إجماع دولي وعربي وإقليمي، على أن ما يحدث في مصر له أبعاد خطيرة ليس على المنطقة وحدها وإنّما على العالم لأنّه زلزال قاري. لأنّ مصر بعد 25 يناير لن تكون كما كانت، فإنّ الوطن العربي رغم انه ممزّق ومشتّت ومهدّد بالتقسيم والشرذمة، لن يكون أيضاً كما كان قبل ثورة الشباب في مصر. عطر الياسمين التونسي فتح الأجواء والأرض أمام العاصفة التي كانت تتشكّل في مصر ولم يتنبه لها أحد أو يقدّر حجمها. حتى الشباب الذين نزلوا إلى ساحة التحرير لم يكونوا مدركين لقوّتهم والأهم لاستعداد أرض مصر وشعبها لاحتضانهم. فعلاً، اتجاه النيل على السطح معاكس لاتجاهات تياراته الداخلية، لذلك جاءت المفاجأة ضخمة مثل الزلزال الذي يأتي خارج خط الزلازل المشكّل أو المعروف.
كل القوى سواء كانت حزبية مصرية أو خارجية وبالأخص واشنطن، تعمل على التعرف إلى هؤلاء الشباب المجهولين، الذين يحملون التغيير في عقولهم وقلوبهم وسواعدهم. صمود الشباب في ميدان التحرير أمام البلطجية، فاجأ حتى الشباب أنفسهم. أمام غياب المعرفة والتعارف، يصعب التقدير، فكيف بتحديد الخطوات والتغيرات القادمة. لذلك تتكاثر السيناريوات التي بعضها كارثي. أكثر ما يحيّر القوى المتابعة والمعنية بالوضع في مصر، انّ مطالب شباب ساحة التحرير هي مطالب ديموقراطية ليس إلا. لا تظهر في الشعارات المطروحة مطالب اقتصادية تؤشر إلى توجهات سياسية يمكن التعامل معها بدون قلق من المفاجآت. لكثرة ما أوهمت بعض الأنظمة في المنطقة واشنطن وغيرها من العواصم الكبرى ان منح الشعوب الكثير من الحرّيات يضع استقرار المنطقة في خطر، زلزلت المنطقة طلباً للديموقراطية.
كيفية الخروج من ساحة التحرير، بتغيير مضبوط يريح المصريين ولا يوقع تغييراً في مسارات سياسة مصر الداخلية والخارجية يصل إلى مفاجآت مرحلة ما بعد 1954 الناصرية، هو الذي يتم العمل عليه حالياً. التردّد الظاهر في موقف الجيش المصري كمؤسسة وطنية، يشغل العواصم الغربية. حسم هذه المؤسسة لموقفها ملحٌ جداً. ما يعزز هذه النظرة، ان كل الاتفاقات التي عقدتها واشنطن وباقي العواصم الغربية خصوصاً باريس ولندن وتل أبيب في المنطقة سواء مع القاهرة أو غيرها من العواصم، جرت مع الأنظمة وليس مع الشعوب. سلام كامب ديفيد بقي سلاماً بارداً لأنّه لم يخترق المصريين كما فعل مع النظام.
ولأنّ واشنطن تعمل وفق مبدأ الواقعية السياسية في تعاملها مع الحدث المصري، فإنّها تبدو مضطرة اليوم قبل الغد أن توقف تعاملها مع القمّة وأن تلتفت أكثر نحو القاعدة الشعبية. سواء واشنطن أو باريس أو لندن، بنت سياساتها طوال العقود الأربعة التي تلت وفاة جمال عبد الناصر على تعميق الانقسامات والتزاحم والتنافس والتحارب بين مختلف قوى المنطقة. هذه الاستراتيجية لا يمكن أن تدوم ليس لأن واشنطن وغيرها ستنظر بمزيد من الحب للعرب، ولكن لأن في استيقاظه الشباب وإطلاقهم للعاصفة يتضمن مطلباً أساسياً وهو أن يترك لهم في ساحة التحرير أو غيرها من الساحات صناعة مستقبل مشترك لهم، يضمن الاستقرار في منطقة مقسمة ويجري العمل أكثر فأكثر على تقسيمها الى دويلات طائفية أو عرقية لا مستقبل لها إلا تحت حماية خارجية وتمدد إسرائيلي مقبول.
إسرائيل تبدو الأكثر قلقاً من عاصفة مصر. سقوط فزاعة الاخوان المسلمين وإمكانية استيلائهم على السلطة، دفع الإسرائيليين حالياً الى استحداث فزاعة الديموقراطية. ما هو رائع لإسرائيل كارثي للعرب. الديموقراطية يجب أن تبقى حكراً على الإسرائيليين وحدهم دون غيرهم حتى يمكن لهم بيع هذا الاستثناء للغرب. ضمناً يردد الإسرائيليون، أن مصر غير قادرة على نسف السلام مع إسرائيل حتى ولو جاءت الى السلطة قوى علمانية وقومية. السبب اقتصادي بحت. السلام البارد يخدم أربعة مصادر للاقتصاد المصري وهي: السياحة وعبور قناة السويس وانتاج النفط قرب القناة والمساعدات الأميركية.
لن تدخل مصر، حتى ولو استلم الشباب السلطة، في حرب مع إسرائيل غداً أو بعد غد. للحرب شروطها وأولها بناء مجتمع قادر وقابل لكلفة الحرب. لكن أيضاً مجرد أن تستعيد مصر دورها الفاعل والمؤثر في صياغة المسارات العربية، فإن الغد لن يكون مثل أمس وأيضاً مثل اليوم. مصر متى عادت لن تكون ملحقة بأحد ولا عضواً في محور تُرسم مساراته وأهدافه خارج القاهرة.
يجب أن تخرج مصر من العاصفة وهي أكثر استعداداً لمواجهة استحقاقات قادمة بعضها مصيري. أي محاولة لإبعاد أو تهميش شباب ساحة التحرير عن صياغة المستقبل ترجمته اقامة شرخ حقيقي وعميق في مصر يضعها مستقبلاً على خط زلازل كبير لن يكون في مصلحة أحد، لا في مصر ولا في خارجها.
[email protected]
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.