مصر ما بعد 25 يناير لن تكون أبداً ما قبله. الوطن العربي بعد مصر الصاعدة من 25 يناير لن يكون أبداً ما قبله. شباب مصر صنعوا ويصنعون التغيير. فتحوا نهجاً ومساراً. على الشباب العربي أن يأخذ به، لكن مع التشديد على خصوصية كل مجتمع. في زمن ما بعد انهيار الإيديولوجيات، لا توجد تجربة ولا مسار، يتم نسخه وتنفيذه. زمن التجارب المعلبة سقط. لكن لأن مصر هي القلب والرأس من الوطن العربي، فإنه يجب دراسة ثورتها، خصوصاً وأنها الأولى من نوعها. قبلها لم تقع ثورات شعبية. صحيح أن عطر الياسمين هبّ من تونس، لكن عاصفة الربيع تهب من مصر.
الآن، وقد دخلت ثورة 25 يناير مرحلة جديدة، وبعد أن استحق شباب مصر الثقة التي حصل عليها بدمائه وصموده وإصراره، حان الوقت للكلام البارد الصاعد من العقل، حتى ولو كانت حرارة الموقف ما زالت في مصر بركانية، لأن المستقبل تتم صياغته منذ الآن. مصر الى أين، وهي تصيغ اليوم مستقبل المنطقة من ميدان التحرير.
[ من هم شباب 25 يناير، لا يكفي أبداً ملاحقة بعض الأسماء الصاعدة، خصوصاً وأنهم لم يكونوا يعرفون حتى أنفسهم. نضج البعض منهم في ساحة التحرير. هذا لا يكفي. المرحلة القادمة أصعب بكثير. المواجهة ستكون بين شباب بريء يريد التغيير والسياسيين المجربين من جهة، ومجلس قيادة عسكري ضباطه ليسوا من الشباب وهم جزء مكون وأساسي من السلطة المتواصلة منذ 1952. يجب أن يتقدم هؤلاء ليس بأشخاصهم وإنما ببرنامجهم، سواء ما يجب تنفيذه بسرعة أو على المديين المتوسط والطويل. البرنامج هو الذي يصنع التغيير وهو الذي يحدد إذا كان دورهم لم ينته عند حدود ميدان التحرير وانه يمتد فعلاً إلى المستقبل بفضل الشرعية التي حصلها من مطهر الميدان نفسه، من الطبيعي أيضاً أن يكون لهذا الشباب حضور فاعل ومؤثر في نظام ما بعد 25 يناير الذي بدأ تشكيله.
[ المؤسسة العسكرية لعبت دوراً مفصلياً في إدارة المواجهة، استطاعت هذه المؤسسة انطلاقاً من وطنيتها أولاً ومن وعيها الكامل لخطورة البركان الذي انفجر في ميدان التحرير إدراك أن عاصفة الربيع يمكن في أي لحظة أن تتحول إلى زلزال مدمّر. هذا النجاح يمنحها شرعية جديدة لكنه أيضاً يفرض عليها واجبات إضافية بعضها مصيري. من الصعب جداً إعلان هذه المؤسسة الطلاق مع ثورة 23 يوليو، لأن كل وجودها نابع من هذه الثورة، لكن من المستحيل بعد ثورة 25 يناير أن تستمر في ادائها القديم وان تطالب باستمرارية دورها وموقعها. الإصرار على الديموقراطية وبناء المجتمع المدني يعني حكماً تغيير البناء المعروف للنظام، فهل المؤسسة العسكرية مستعدة فعلاً للقبول بالمعادلات والتوازنات الجديدة؟ وما هي طبيعة التوازنات داخل المؤسسة؟ وما هي قوة ونفوذ افكار وطروحات شباب 25 يناير؟
[ الاخوان المسلمون، هم بلا ريب اللغز الكبير في مصر، حتى 25 يناير كان النظام يهدد: إما أنا وإما حكم الاخوان أو باختصار الجمهورية الإسلامية. وقد نجح إلى حد بعيد في تسويق هذا الخوف داخل المجتمع المصري المتدين إنما المدني، والأقباط، والخارج. ثورة 25 يناير أجبرت الاخوان على اللحاق بالشباب بعد تردد وإرباك لا يؤشر إلى وجود استراتيجية معدة مسبقاً للإمساك بالتغيير فكيف بصناعته.
الاخوان المسلمون في مصر ليسوا أبداً حزب العدالة والتنمية التركي حتى ولو قيل انهم من شجرة واحدة، لذلك لا يمكنهم أخذ السلطة في المستقبل المنظور، يمكن لـالاخوان المسلمين أن يشكلوا قوة دفع حقيقية وفاعلة ومؤثرة في نظام ما بعد 25 يناير، لكن إذا حاولوا القفز على السلطة فإنهم يسلمون مصر كلها للعسكر. على الأقل طالما ان المقارنة قائمة بين الاخوان والعدالة والتنمية على الاخوان القبول بتجربته. لقد قبل حزب العدالة والتنمية الذي انفصل عن حزب الفضيلة بزعامة نجم الدين أربكان، قبِلَ بالديموقراطية والتداور. كما أن الحزب بزعامة رجب طيب أردوغان استعان بالشعب على الجيش من خلال تعزيزه للحريات الديموقراطية وحقوق الإنسان وتوسيعه لهامش الحريات ولا سيما الفكرية منها. فهل الاخوان المسلمون قادرون على خوض هذه التجربة لكي يصبحوا مقبولين من المجتمع المدني أولاً ولكي ينجحوا في فرض خيارهم على المؤسسة العسكرية؟. بلا مبالغة يلزم الاخوان في مصر الكثير من الجهود المرتكزة على قبول الآخر وعدم تخوينه. تجربة حماس في غزة لا تشجع على الثقة بالخطاب السياسي للاخوان. ربما بعد ان يصبح لهم قيادة شابة تعرف معنى الحداثة، كما حصل مع رجب طيب أردوغان واخوته، الى درجة أن القبول بالانضمام الى الاتحاد الأوروبي والعمل المستمر رغم رفض معظم الأوروبيين لهم لم يشكل سلاحاً ضدهم وانما معهم.
[ الإدارة الأوبامية فوجئت مثل غيرها بثورة 25 يناير، فلم تنفع كل التقارير. سارت الإدارة الأوبامية على حافة السكين، لانها كانت واقعة بين خيار الوقوف مع مبارك حليفها الأساسي من جهة، والحركة الديموقراطية التي ولدت بأيد مصرية. في النهاية نجحت الإدارة الأوبامية في ضبط ايقاعها على وقع المتغيرات، لكن أمام هذه الإدارة مرحلة أصعب بكثير. كيفية تعاملها مع المتغيرات والتغييرات القادمة في مصر وعبرها هو الذي سيحكم على نهجها ومسارها.
[ إسرائيل روجت كثيراً الخوف من قيام جمهورية إسلامية في مصر. الآن بعد سقوط هذه الفزاعة تروج لخطر الديموقراطية الوليدة.
كل ما يهم إسرائيل استمرار السلام البارد مع مصر. المجلس العسكري التزم المعاهدات ومنها اتفاقية كامب دايفيد، يبقى مراقبة المستقبل. مصر لا يمكنها في جميع الأحوال أن تخرج من التزاماتها بين ليلة وضحاها. تخلي مصر عن اتفاقية كامب دايفيد يفرض عليها تغييراً في العمق من إعادة بناء القوة العسكرية الى إعادة بناء المجتمع المصري وخصوصاً الاقتصاد المصري. هذه العملية طويلة وصعبة ومكلفة. قبل مطالبة مصر بالانقلاب على ذاتها يجب سؤال الآخرين عن مواقعهم وأدوارهم في صياغة استراتيجية جديدة تقوم على المشاركة الكاملة في الواجبات والمهمات.
يبقى أن ثورة 25 يناير انفجرت طلباً للديموقراطية والحرية والعدالة الاجتماعية والاقتصادية، لم يظهر شعار واحد مثل إسقاط كامب دايفيد. مطالبة مصر بإسقاط اتفاقية كامب دايفيد مشروعة بشرط الا تشكل غطاء ودرعاً للأنظمة في مواجهة مطالب الشباب بالديموقراطية والحرية.
[email protected]
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.