تغيّر الكثير في مصر، بين 25 يناير و25 فبراير (شباط)، وبقي الكثير. ميدان التحرير، أصبح هايد بارك كبيرًا. الفرق انه هنا يصنع تاريخ مصر الجديد. لم يعد يوجد ممنوع في ساحة التحرير. الشعارات والدعوات مزيج من كل شيء، مثل الناس المحتشدين. اطفال ونساء ورجال وشيوخ ورهبان. منقبات وسافرات ومحجبات وشباب من المجتمع المدني وشباب ملتحون. لا حواجز ولا نظرات استهجان او استغراب. حواجز الجيش المصري اقفلت المداخل بدباباتها خصوصاً من ناحية ميدان الشهيد عبد المنعم رياض. الميدان الذي شهد اكبر معركة استنزاف في الثورة، انتهى بتبخر الامن بجميع انواعه ورجاله. الميدان والشارع الممتد منه الى ميدان التحرير الذي عاش معركة الاحصنة والجمال التي قلبت كل الموازين وأسقطت كل الخطوط الحمراء.
الشعار الكبير للمظاهرة هو إسقاط حكومة شفيق
الاصرار على هذا الهدف، يعود الى انه لا يمكن إكمال الثورة والتغيير بالادوات نفسها، التعديل الوزاري، لا يكفي. وجود شخصيات وطنية نظيفة مثل يحيى الجمل وعبد الخالق لا يشكل ضمانة لأحد. استمرار رؤساء التحرير السابقين في مواقعهم، الذين وان قلبوا وانقلبوا على أنفسهم وأصبحوا من دعاة الثورة وفضح عملية نهب مصر لا يحمي الثورة بالعكس يهدد بإحراقها.
كل هذا تعيشه وسط تسونامي من الشعارات والخطابات. الميدان لم يجمع فقط الناس، جمع القوى السياسية من ليبرالية جداً، الى يسارية تروتسكية وصولاً الى المروحة الواسعة للإسلاميين يتقدمهم الاخوان المسلمون. كل مجموعة لها هتافاتها وخطباؤها ومطالبها الخاصة الى جانب المطالب المشتركة، أبرز المطالب الى جانب رحيل حكومة شفيق، ان يُكتب الدستور من الشعب. الشعار واضح: كتبنا تاريخنا بدمنا لنكتبْ دُستورنا بنفسنا، حرية تشكيل الأحزاب حق للشعب.
بعيداً عن الأعداد وحساباتها، من الواضح أن الشباب والأحزاب، ترفع كل أسبوع سقف مطالبها. أمس في الميدان، شعار لم يكن أحد يجسر على ذكر اسمه فكيف المطالبة بإسقاطه وهو أمن الدولة. أيضاً بدأت هموم الداخل تمتزج مع أحداث الخارج،. السياسة الخارجية التي كانت غائبة طوال الفترة الماضية بدأت تدخل المزاج الشعبي المصري. ليبيا الحاضرة الكبيرة في تظهير هذا التحدي الشعار الكبير: ثورة ثورة حتى النصر. باالله يا ليبي شد الحيل ورّي معمر كل الويل.
أحداث ليبيا فتحت نافذة لثورة 25 يناير على الخارج، فأطلت منها على مستقبل علاقة مصر بالوطن العربي وبالعالم، لكن هذه الاطلالة ما زالت ضعيفة. قد تقوى مع تصاعد الثورة في ليبيا لكن الهم الأساسي مصر الداخل. يوجد قلق حقيقي من أن لا تكتمل الثورة وتحقق كامل أهدافها. ويوجد خوف من ان تسرق مفاعيل الثورة ولا تكتمل بنيانها. لذلك يستمر التصميم على تحويل ميدان التحرير الى محرك يعمل باستمرار شعبيا لكن يبقى رقيباً ورادعاً لكل من يريد أو يأمل أو يطمح لسرقة الثورة. هذه العملية ستسمح للقوى الجديدة بإنضاج طموحاتها وأهدافها ورؤاها، وليقوى عودها للوقوف جنباً الى جنب مع القوى القديمة التي تملك القدرة والتجربة.
المرحلة الانتقالية الحالية صعبة جداً، لا ضمانات لأحد فيها لنفسه أو الآخرين، الأمل المشترك الوحيد والملموس حتى من خلال العلاقة اليومية للناس قبل الاحزاب والقوى السياسية هو استمرار المؤسسة العسكرية المعترف بها بالاجماع مؤسسة وطنية لها تاريخها العريق منذ محمد علي في الدور الذي لعبته منذ البداية وهو الضامن والراعي للثورة وللتغيير. دون وجود المؤسسة العسكرية، كانت مصر تحولت الى ليبيا أخطر بعشرات المرات، معركة الأحصنة والجمال كانت تجربة صغيرة جداً لما كان يمكن أن يحصل فيما بعد. المؤسسة العسكرية تبدو واعية لذلك الإعلان عن محاكمات سريعة للذين شاركوا في الهجوم وإصدار أحكام تصل الى خمس سنوات بحقهم، يؤكد هذا التوجه. ليبيا أيضاً تقلق مصر. يأمل الجميع الا تطول محنة ليبيا مع العقيد القذافي. كلما طالت الأحداث تعرضت مصر لضغوط لا تريدها. وجود مليون ونصف مليون مصري في ليبيا، يعني الأمن الوطني المصري، إذا اضطروا للعودة مهجرين الى مصر، يعني مشكلة اقتصادية تعني أيضاً الأمن الوطني المصري.
مصر حالياً لا تتحمل المزيد من المشاكل الطارئة والمعقدة، ولا تريدها، خصوصاً وأن دعوات بعضها بريء ومتحمس وبعضها الآخر خطير يريد توريط مصر فيما لا تريده. الدعوة لتدخل مصري عسكري في ليبيا، خطير جداً. ليس وقته وقد يسبب غرق مصر في مستنقع مرفوض. أمام ليبيا، كل مصر متحفزة، تتابع ما يجري وتأمل أن ينتهي المجنون بسرعة.
مصر دخلت عين الحدث، ومعها المنطقة كلها. كلما استقرت مصر بسرعة وتفرغت لنفسها داخلياً وخارجياً، كان ذلك من مصلحة المنطقة. ارتدادات ثورة 25 يناير ضخمة جداً. من الأفضل التهيؤ لفترة صعبة جداً.
لبنان في قلب ما يجري حتى وان كان لا يعاني كما عانى المصريون والتوانسة. ان لم يحصن نفسه من الداخل، فإن انزلاقه الى خط الزلازل سيكون هذه المرة كارثياً.
[email protected]
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.