8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

القذافي يستدرج التدخل الغربي لـعرقنة ليبيا

الثورة مستمرة. في مصر، نجحت قوى 25 يناير، بالتقدم خطوة الى الأمام على طريق التغيير الشامل. اقالة أحمد شفيق وحكومته، وتكليف عصام شرف الوزير الذي استقال من وزارة النقل يوم كانت الاستقالة تشكل اعتراضاً سياسياً نادراً، وانضم الى ميدان التحرير في أول أيام الثورة، تعني أن مطالب شباب 25 يناير تتحقق واحدة بعد أخرى. تعديل الدستور، بما يحقق شفافية ملزمة لإنجاح المرحلة الانتقالية أكد أيضاً ان المجلس الأعلى للقوات المسلحة، يسمع وينفذ بهدوء.
اقالة محمد الغنوشي في تونس وتحديد موعد انتخابات في المجلس التأسيسي في تموز القادم، تعني أيضاً أن صمود الثوار وإصرارهم على التغيير الشامل، منتج ومثمر. مصر وتونس تجاوزتا الخطر. كون المرحلة الحالية مربكة لا يخيف، خصوصاً انها واعدة.
الوضع في ليبيا واليمن مختلف جداً. الخطر كبير على الثورة وفي البلدين وعليهما، وعلى محيطهما الجغرافي وصولاً الى الاقتصاد العالمي، ومستقبل عاصفة الربيع التي تعصف بالمنطقة.
ليبيا، كل يوم يبقى فيه القذافي في السلطة وفي طرابلس، هو اضافة الى منسوب الخطر. كلفة انتصار الثورة ترتفع يومياً. حمام الدم يتضخم بفعل القتال الدائر على مختلف الجهات. العقيد القذافي وأبناؤه خصوصاً سيف الاسلام، لن يتركوا السلطة إلا مكرهين. رغم سقوط الضحايا بالآلاف، لا تعترف عائلة القذافي بوجود قتال وثوار. كل ما يحصل بفعل الخارج ووجود بضعة متمردين لا يستحقون الرد إلا بأقذع الأوصاف. العجيب ان سيف الاسلام يعترف علناً بأن الليبيين يستحقون نظاماً أفضل من نظام القذافي رغم ذلك لو حصلت انتخابات نزيهة كما يقول لحصل والده على ثمانين بالمئة من الأصوات، لأن المعارضة لا تمثل إلا نفسها. بعيداً عن تهريج القذافي وابنه السيف المصلت على رقاب الليبيين، فإن منسوب الخطر الذي يرتفع يوماً بعد يوم يتمثل في الآتي:
أن يطول القتال، ولا يتمكن الثوار من الحسم فيتحصن القذافي في طرابلس ويحول آلاف الليبيين والأجانب الى درع بشرية لحمايته من الثوار ليتابع الهجوم على المدن المحررة، في وقت يزداد إحراج واشنطن وباريس وروما ولندن. ذلك أن التدخل العسكري الغربي مرفوض ليبياً وعربياً. وهو حكماً سيؤدي الى عرقنة ليبيا بمعنى انتقال المواجهات المسلحة والعمليات الانتحارية الى ليبيا. يجب الا يغيب عن الاذهان، أن موجات عديدة من الانتحاريين في العراق جاءت من شمال أفريقيا وتحديداً من ليبيا والجزائر.
سيخفف على هؤلاء أعباء الانتقال والانكشاف الأمني كما حصل سابقاً عندما عبروا سوريا، في الوقت نفسه لا يمكن للغرب ترك الثوار في شرق ليبيا وبعض مشرقها عراة عسكرياً أمام آلة القذافي المدمرة التي لم يتورع عن استخدامها براً وجواً وحتى بحراً.
القذافي يعمل على استدراج التدخل الغربي.
ان استمرار المواجهات المسلحة، سيرفع حجم المخاطر المحيطة بمواقع انتاج النفط. رغم تحييد هذه المواقع عن القتال، ارتفعت أسعار برميل النفط الى 116 دولاراً للبرميل، مما يذكر الغرب بأزمة العام 2008 التي وصل فيها سعر البرميل الى 147 دولاراً. الأسوأ أن العواصم الأوروبية بدأت تتحدث عن أزمة مشابهة لأزمة العام 1973 في الأفق. كلما طالت الأزمة تعرض النمو الاقتصادي العالمي الذي بالكاد يعيش بداياته بعد الأزمة المالية الدولية لضربة قاسية ستكون آثارها كارثية. كما أن ارتفاع سعر النفط بهذه الطريقة ستكون له اثاره على الأسعار في العالم، مما سيؤدي الى أزمات اجتماعية ضخمة.
أن الثورة حتى الآن، انتجت أزمة داخلية في كل من مصر وتونس في وقت تعيش كلاهما وضعاً حساساً خصوصاً على الصعيد الاقتصادي. ذلك ان تونس خسرت فجأة أكثر من مليون ليبي كانوا يأتون اليها لأسباب مختلفة وبحكم الجوار، وهي تتحمل الآن ضغوط موجات الهاربين من جميع الجنسيات زائد عشرات الألوف من العمال التونسيين العائدين الى بلادهم التي تعاني أزمة بطالة قاسية ساهمت في تفجير الثورة. أما مصر فإن أزمتها أكبر لأن عدد المصريين يتجاوز المليون ونصف المليون وهي مضطرة لنقلهم الى الداخل والتعامل مع مشاكلهم الاقتصادية والمالية والاجتماعية. من الواضح أن الوضع الدامي في ليبيا تحول الى مشكلة داخلية مصرية وتونسية، قابلة للتمدد والتضخم.
أما بالنسبة الى اليمن فإن استمرار المواجهات في صنعاء وباقي المدن، سيؤدي الى تقسيم اليمن الى ثلاث دول واحدة في الجنوب واثنتان في الشمال. هذا التقسيم لا بد أن تنعكس ارتداداته سلباً على محيطه الجغرافي، الى جانب تهديد الأمن البحري الاستراتيجي لمزيد من الأخطار، ما سيدفع التطورات باتجاه التدويل بطريقة أو أخرى.
يبقى أن غرق ليبيا واليمن في حمّام دم أو الاستسلام لسكين التقسيم، قد يؤدي الى نشر الخوف في الأوساط الشعبية العربية، ويدفعها الى الانكفاء وعدم الدخول في مغامرة غير محسوبة. ولا شك في أن الخاسر الكبير ستكون الشعوب التي تأمل حصول تغييرات جذرية تعيد التوازن الى مجتمعاتها سياسياً واقتصادياً وتنموياً.
الأموال الليبية المودعة في الغرب تصل الى 160 بليون دولار. كان يكفي استثمار جزء منها في سياسة تنموية في ليبيا ودول الجوار حتى لا تقع الأزمات ولا حتى الثورات، ولا يصبح ثمن حمام الدم مقبولاً طلباً للحرية والعدالة الاجتماعية.
[email protected]

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00