تنزلق ليبيا بسرعة نحو جحيم الحرب الأهلية. العقيد معمر القذافي وأولاده يعملون على ذلك عن سابق تصور وتصميم. تكون ليبيا لهم أو فلتأكلها النار. لن تكون الحرب الأهلية على طريقة لبنان. بلا شك ستكون أقسى وأدمى بكثير. استخدام العقيد القذافي وأولاده الطيران وراجمات الصواريخ والدبابات يؤكد أن كل الجرائم مسموحة، لحماية ثورته وثروته. امتلاك المعارضة أسلحة مماثلة وان كانت بكميات أقل، يفتح المواجهات على حرب تختلط فيها صيغة الحرب الأهلية التي تقوم على ميليشيات ومقاتلين مندفعين غير منظمين وفرق عسكرية منظمة. الحرب الأهلية الاسبانية، تكاد تتكرر. لم يبق لاكتمال نسخها سوى فتح الحدود أمام المتطوعين بدعم من حكومات وأحزاب. كلما طالت الحرب في ليبيا، كلما كان الانزلاق أسرع نحو اكتمال أسبنة الحرب في ليبيا.
العقيد معمر القذافي سيحرق ليبيا قبل سقوطه أو تقسيمها، على أمل تحرير الجزء الآخر منها، بعد قبول الآخرين أي واشنطن ولندن وباريس وروما به. العجز عن تغيير الأوضاع يغير المواقف خصوصاً أن المصالح هي الأساس في التعامل بين الدول. النفط والحاجة له يجبر العواصم الغربية على تغيير مواقفها. مجرد أن يسود الخوف من وصول سعر برميل النفط الى مئتي دولار، فإن كل شيء ممكن. ما يشجع القذافي على هذه المغامرة، والمراهنة على تغيير الغرب مواقفه منه، أن كل دولة ليست مستعدة للتعرض الى مخاطر نكسات اقتصادية قد تكون كارثية. ربما موسكو ستكون سعيدة بارتفاع سعر برميل النفط، لكن من المؤكد ان الصين لن تتحمل ذلك، وهي التي تعتبر المستهلك الكبير للنفط ولكل المواد الأولية.
تكوين ليبيا القبلي والجهوي بين الشرق والغرب يساعد القذافي على تنفيذ خطة الحرب الأهلية. يستطيع القذافي، وهو على الأرجح ما يقوم به، زرع الخوف في قبائل الغرب بأن الشرقيين يريدون انتزاع الثروة والسلاح منهم. أي أنه سيقنع وربما اقنع العديد منهم أن وقوفهم الى جانبه ضد الشرق هو مسألة حياة أو موت. بهذا يصبح لأهل الغرب من ليبيا قضية حياة أو موت، وليس فقط الدفاع عن نظام القذافي.
شواطئ ليبيا الطويلة القائمة على الضفة الجنوبية من حوض البحر المتوسط، وانفتاح جنوبها على أفريقيا السوداء، يتيح للقذافي أن يلعب ضد دول الضفة الشمالية للحوض خصوصاً ايطاليا وفرنسا واليونان واسبانيا. يهدد القذافي هذه الدول بالهجرة غير الشرعية، وهو أخذ يقذف حالياً بآلاف الهاربين اليها، بعد أن كان يلعب دور الجدار أمام الهجرة غير الشرعية وذلك منذ عودته الى الشرعية الدولية التي دفع ثمنها مليارات الدولارات، وتواطأت معه هذه الدول طمعاً منها بالنفط والعقود الضخمة التي العديد منها لا ينتج التنمية المطلوبة وانما يملأ جيوب المتعاقدين بأموال الشعب الليبي. مجرد ظهور هذا الخطر على الشواطئ الأوروبية يثير رعبها، فكيف إذا ما خلط القذافي بين هذا العامل والارهاب الاصولي لبن لادن وكل مفردات القاعدة في شمال أفريقيا والصحراء الأفريقية. القذافي الشهير القديم بالارهاب، يعرف كيف يثير رعب دول الاتحاد الأوروبي في مواجهة هذه الألغام الغارقة وهي عارية. أمام خطر انفجارها بها، الوقت برأي القذافي كفيل بتغيير مواقفها منه.
يعمد القذافي أيضاً الى تسريب أنباء عبر بعض المتعاملين معه أو حتى عبر الإعلام الغربي الذي يسعى لصيد أي سكوب اخباري، تثير القلق في العالم العربي. بطريقة أو أخرى يسعى القذافي الى التهديد بتحويل الحرب الأهلية الليبية الى حرب أهلية عربية يشترك فيها دول عربية وإقليمية منقسمة بين معتدلة وممانعة. ليس صدفة توزيع أخبار مثل أن الجزائر ترسل طائرات مليئة بالمقاتلين أو أن لدى ليبيا طيارين سوريين.
مثل هذه الأخبار هدفها اثارة أطراف عربية أخرى للرد عليها سواء للتحذير أو الرفض. أيضاً مصر المشغولة بهمومها الداخلية يتم دفعها لخوض مغامرة خطيرة للتدخل لإلغاء تباشير استعادتها لموقعها ودورها في السياسة العربية.
مهما حصل في ليبيا أو اليمن، فإن عاصفة الربيع فرضت وقائع وقواعد جديدة لم يعد من الممكن تجاهلها ولو بحرب أهلية أو أكثر من ذلك:
لم يعد مقبولاً بأي صيغة من الصيغ، بقاء القيادات والرؤساء الى الأبد. تداول السلطة، يجب ان يكون هو القاعدة. أصبح مؤكداً أن قاعدة قائد الى الأبد تنشر في أي دولة في العالم، حتى ولو كانت الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا وفرنسا، الترهل والفساد وانهيار الأخلاق، لأن الهدف سيكون التملق والتنفيذ الغبي لما يريده القائد حتى يرتقي سلم السلطة. جعل مدة الرئاسة في مصر دورتين، كل دورة أربع سنوات، نتاج حي لهذا التحول. المصريون يتندرون بالقول: ستتم صناعة كرسي الرئاسة من التيفال حتى لا يلتصق بها الرئيس الى الأبد.
ان الخوف الشعبي من المثال الليبي أو اليمني، قد تحد موقتاً من سرعة رياح عاصفة الربيع. لكن من المؤكد أيضاً أنه لا يمكن الاستمرار بلا سياسة إصلاح حقيقية تطال أسس بعض هذه الدول بحيث تعتمد سياسة تنموية حقيقية وعادلة وعميقة تحذف من مفرداتها الجهوية والطائفية والعرقية.
أكدت ثورة 25 يناير في مصر، وثورة الياسمين في تونس، أن الشعب يمهل ولا يهمل خصوصاً عندما تسد في وجهه أبواب الحياة الكريمة والعيش داخلياً وخارجياً بكرامة.
[email protected]
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.