عاصفة الربيع وصلت الى فلسطين. يوماً بعد يوم تؤكد العاصفة انها لا تعترف بالحدود، وان الربيع قادم لا محالة. لكل قطر خصوصيته. لا يمكن إلا أن يكون لهذه الخصوصية تأثيرها وتفاعلاتها. مصر ليست ليبيا. وحسني مبارك وزين العابدين بن علي ليسا معمر القذافي. الشباب المتواصلون عبر مواقع المعلوماتية والفايسبوك يعرفون كيف يتعاملون مع مجتمعاتهم وأنظمتهم. القضية في فلسطين ليست في إسقاط نظام ديكتاتوري. القضية هي في انقاذ الشعب الفلسطيني من الانقسام الذي أنهكه وعصف بكل تاريخه النضالي وأضر بالقضية الفلسطينية وبالنسيج الاجتماعي. حان الوقت لكي يقول شباب فلسطين ومعهم مكونات الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية والقدس وغزة، كفى للانقسام والانفصال.
اليوم في الخامس عشر من آذار، هو يوم الحركة الفلسطينية الذي لا بد أن يشكل تتويجاً لحراك كامل، المجتمع المدني الفلسطيني الذي لم يكن نائماً حتى يستيقظ. هذا المجتمع هو الذي تحرك ضد الجدار، وهو الذي تحرك في غزة لكسر الحصار. الشباب الفلسطيني على مثال الشباب المصري، حركتهم خارج أي غطاء أو أجندة سياسية. أي التزام بأي جهة سياسية لن تنجح في انهاء الانقسام السياسي الحاصل منذ أربع سنوات تحت سكين الاحتلال الاسرائيلي. يجب أن يعلم كل فلسطيني سواء كان مسؤولاً أو شاباً عادياً، ان آرييل شارون الغارق في الكوما يرقص فرحاً لأن حلمه بفصل الضفة الغربية عن غزة تحقق. يستطيع كل فصيل سواء فتح أو حماس تحميل الطرف الآخر دماء هذه الجريمة بحق فلسطين والقضية والشعب الفلسطيني. لكن بلا شك ومن دون أي تردد، مسؤولية الفصيلين كبيرة وتاريخية. أثبتت يوميات الانقسام، أن أياً منهما لن يستطيع أن يحكم وحده أكثر من مدن وقرى محاصرة ومعزولة في الضفة، وقطاع محاصر. السلطة الوطنية تتابع تقديم تنازلاتها الى درجة انه لم يعد لديها ما تتنازل عنه. وحركة حماس خسرت المقاومة ولم تربح الاعتراف ولا القبول الدولي بها. أصبحت حركة حماس حارسة للحدود بين غزة واسرائيل. أي صاروخ يسقط في النقب خارج عن ارادتها. شعب غزة المحاصر وحده يدفع الثمن غالياً.
تحرك شباب فلسطين، يجب أن ينجح وأن تتحول حركته الى حراك عام يزلزل تخندق المنظمات والقوى السياسية الفلسطينية في مواجهة بعضها البعض. لا يكفي أن يعلن كل تنظيم، خصوصاً حماس التي تتحمل مسؤولية ضخمة في ما حدث وما يحدث، علماً أن ذلك لا يلغي مسؤولية فتح التي أفسدتها السلطة منذ كانت في لبنان وصولاً الى الضفة الغربية، أنه يريد الخروج من الانقسام.
فلسطين بحاجة الى قرار سياسي لانهاء الانقسام، وليس التلويح بمبادرات تفتقد التفاصيل الدقيقة والآلية الواقعية لتنفيذها. دون ذلك، كل ما يقال مجرد تقطيع للوقت على أمل تسجيل نقطة لصالح هذا الطرف أو ذاك، في حين ان الوقت سكين تذبح به فلسطين بيد أبنائها قبل الإسرائيليين وتطرّفهم الأعمى.
الإسرائيليون حكومة وأحزاباً ومراكز أبحاث يلاحقون عاصفة الربيع التي تعصف بالمنطقة. لا يمكنهم أن يكتفوا بالمراقبة ودراسة ما يحصل كمراقبين. ما يحدث يعنيهم مباشرة. ليست المسألة بالنسبة اليهم ان معسكر الاعتدال يخسر ومعسكر التطرف يربح. يعرفون ان المسألة أكبر من ذلك بكثير. يدركون ان عودة مصر قوية، ستغير الكثير من المعادلات. ليس من الضروري أن تتخلى القاهرة عن اتفاقية كامب ديفيد حتى ينقلب الهرم رأساً على عقب. يكفي أن يكون لمصر سياسة حقيقية وفاعلة ومؤثرة وأن تكون هي راسمة للمسارات حتى تتغير الأحوال ولا تعود إسرائيل قادرة على العربدة السياسية والعسكرية من دون أي حساب. لذلك تتحرّك إسرائيل بكل الاتجاهات لملاقاة التغيير في المنطقة وهي مستعدة للتعامل مع نتائجه وتردداته.
شيمون بيريز الرئيس الإسرائيلي سيكون في واشنطن مطلع الشهر المقبل، بحجة ملاحقة العملية السياسية مع الفلسطينيين، التي ساهم مباشرة في إدخالها في الثلاجة. الهدف الحقيقي لبيريز معرفةً الاتجاهات والتوجهات داخل الإدارة الاوبامية بعد ثورة 25 يناير في مصر. شيمون بيريز ختيار السياسة الإسرائيلية يدرك جيداً ان العالم لم يعد يملك الصبر أمام السياسة الاسرائيلية في ظل إقفالها لآفاق الحل وزرع اليأس والإحباط في المنطقة بعد عاصفة الربيع.
أيضاً خلال هذا الأسبوع يصل إلى إسرائيل، جورج ميتشل مبعوث الرئيس باراك اوباما بعد غياب طال عدة أشهر، علماً ان نائبه هوف يقوم بجولات مكوكية مستمرة بين دمشق وتل أبيب لاستطلاع امكانية فتح المسار السوري الإسرائيلي. أكثر ما يقلق بنيامين نتنياهو أن عدم عودة الروح إلى المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية تدفع باتجاه مواجهة إسرائيل:
[إعلان الأمم المتحدة في الخريف المقبل الدولة الفلسطينية من جانب واحد.
[ ازدياد تآكل مكانة إسرائيل في واشنطن.
[ تفاقم الوضع الأمني بحيث ان العملية الأخيرة ضد المستوطنين تكون بداية وليست عملية منفردة نتيجة لاعتداءات المستوطنين اليومية ضد العائلات الفلسطينية. السؤال كيف يمكن مواجهة هذا التصعيد؟
نجاح حركة الشباب الفلسطيني اليوم خطوة أولى منهم للحاق باخوانهم في مصر وتونس واليمن وليبيا. حان الوقت لكي تنتهي المأساة المهزلة بفصل الضفة عن غزة. ما نفع حماس وفتح لو ربحتا السلطة وخسرتا فلسطين؟
[email protected]
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.