انتهى العقيد معمر القذافي. مثله لا يبقى حتى ولو انتصر، فكيف وقد بدأت أجراس الهزيمة تقرع. قبله الجنرال فرانكو، انتصر في اسبانيا. مات وانتهى انتصاره معه، وعادت الديموقراطية. أثبت القذافي أنه جبان مستعد أن يفعل أي شيء للبقاء في السلطة. تنمر على شعبه وهدده بالسحق من زنقة الى زنقة ومن بيت الى بيت، ومن فرد الى فرد، لكنه فور صدور القرار الدولي أعلن وقف إطلاق النار. لن ينفعه هذا القرار لانه أصبح خطراً على السلام الدولي، بقدر ما هو خطر على شعبه.
جريمة القذافي الكبرى انه دفع الليبيين والشعوب العربية بعيداً من مواقف بعض الحكومات العربية للقبول وحتى الترحيب، بحرب دولية جديدة خارجة من عاصفة الصحراء ضد العراق. من الواضح أن المجتمع الدولي الذي اختار القانون ضد القوة والحرية على القمع والديموقراطية على الديكتاتورية كما قال وزير الخارجية الفرنسي الان جوبيه، عمل على تنفيذ عاصفة ضد القذافي وأولاده الأكثر اجراماً منه ومنهم سيف والساعدي وخميس ومعتصم ووزير خارجيته موسى كوسى الذي أدار المخابرات ونفذ عمليات الاغتيال بحق الليبيين. هذه العاصفة لن تنتهي باحتلال ليبيا، لكن مستقبلها سيكون معلقاً على جملة تطورات داخلية وخارجية.
لا يعني كل ذلك أن القذافي سيسقط اليوم أو غداً. لم يعد لديه أي منفذ للهرب والنجاة بنفسه وبثروة الليبيين. الأهم انه انتهى، وبنهايته أضاف الكثير الى تراكمات ودروس عاصفة الربيع التي هبت على الوطن العربي.
من الوقائع الجديدة لسنوات الجمر
[الخوف من الحرب الأهلية، قد تكون أوقفت قليلاً مسارات عاصفة الربيع. من حق الشعوب العربية خصوصاً في الأنظمة الديكتاتورية أن تخاف وتتردد للخروج كما فعل شباب مصر وتونس للمطالبة بكرامتها وحريتها وثرواتها. لكن من المؤكد أيضاً أن فرصة هذه الأنظمة وتردد هذه الشعوب لن يطول. الموقف الدولي السريع نسبياً، أكد أن المجتمع الدولي لم يعد مستعداً للسكوت عن الأنظمة التي تقمع شعوبها للبقاء في السلطة. قبل اليوم كان يمكن لأي نظام ديكتاتوري في العالم، وقد حدث ذلك مراراً، ان يرتكب الجرائم ضد المدنيين، ويبقى بلا محاسبة. اليوم تغير الوضع، لا أحد فوق المساءلة الدولية. وهذا التحول لمصلحة الشعوب التي تصمم على التغيير حتى ولو دفعت الثمن غالياً.
[أن العولمة حولت العالم الى قرية صغيرة. أما المعلوماتية فقد اسقطت الأسرار. الكاميرا دخلت كل الشوارع، والمعلوماتية تنقل مباشرة ما تسجله الكاميرات الى العالم كله. مجرد أن تحضر المشاهد الاجرامية أمام العالم، لم يعد من الممكن الصمت، خصوصاً بالنسبة للحكومات في الغرب، التي فضلت لعقود طويلة مصالحها على المبادئ. على الأقل أصبح السياسيون في العالم يعرفون انهم سيسألون عن مواقفهم عاجلاً أم آجلاً.
[ان تصحير الحياة السياسية العربية، ووضع الشعوب العربية أمام خيارين لا ثالث لهما وهما: إما الانخراط في أنظمة 99 بالمئة أو الحرب الأهلية، قد انتهى. الشباب صاغوا ونفذوا خيار الثورة، ونجحوا بشكل أو بآخر مع الأخذ في الاعتبار خصوصية كل ساحة عربية على حدة.
[لم يعد مقبولاً ولا محمولاً الفساد الذي أفقر شعوباً بكاملها وحرمها من التنمية والتطور والعدالة الاجتماعية. أحمد عز في مصر ليس وحيداً ويتيماً في العالم العربي، أصبح صورة بألف صورة. فساد حسني مبارك وبن علي، اللذين يتأكد ان ثروة الأول تتجاوز خمسين مليار دولار والثاني عشرين مليار دولار، سمح لأحمد عز وليلى طرابلسي بأن يغتنيا على حساب شعبيهما. البقاء في السلطة ثلاثة عقود أفسد مبارك أحد أبطال حرب اكتوبر. فكيف بالقذافي الذي مضى عليه أكثر من أربعة عقود وهو الذي يسيطر على الثروة (النفط) والسلاح بعد أن حوّل الليبيين إلى مجموعات من الهتافين بدلاً من أن يكونوا قوة عاملة للتغيير والبناء. الآن يستعيد الليبيون زنودهم وعقولهم لاسقاط نظام القذافي الذي فعلياً ليس أكثر من عملية تأطير للقبائل وتأليبها ضد بعضها البعض ووضعها في خدمته باسم ثورة الفاتح.
[أيضاً، وهو مهم جداً، لم يثر الشباب بسبب المسارات السياسية الخارجية، لم يفكر شباب مصر بإسقاط كامب دايفيد عندما نزلوا إلى ميدان التحرير، أيضاً شباب تونس واليمن. كما ان المتظاهرين في الجزائر لم يخرجوا لمناهضة موقف الممانعة الذي يقفه الرئيس عبدالعزيز بوتفليقه. الشباب العربي يثورون اليوم من أجل استعادة كرامتهم وحرية شعوبهم وهم مدركون جيداً ان فلسطين تحولت إلى قضية استثمرتها الأنظمة في وقت الضيق. لقد طال زمن شعار لا صوت يعلو فوق صوت المعركة الذي لم يكن يوماً في خدمة معركة من أجل فلسطين بل تحول إلى كاتم للصوت تتعملق في ظله الأنظمة القمعية لتهرم الشعوب باكراً.
[ان عاصفة الربيع ليس لها أب ولا أم إلا إرادة الشباب الذين همشوا وأغرقوا في البحث عن فرصة عمل. من المعيب والمخزي أن يتم البحث عن دور للولايات المتحدة الأميركية في صناعة عاصفة الربيع، واشنطن الاوبامية تعمل على اللحاق بارتدادات هذه العاصفة بواقعية المستثمر وليس بدهاء الصانع.
[حتى ولو كانت كلفة عاصفة الربيع ضخمة، فإنّ الشعب الليبي وغيره من الشعوب العربية يستحقون الحياة، الكريمة والحرة، على طريق البناء الحقيقي لخدمة قضية فلسطين وليس لوضع فلسطين في خدمة الأنظمة.
[email protected]
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.