أخيراً، حصل الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي على فرصته ليكون نابليون الصغير. جنون العقيد معمر القذافي منحه هذه الفرصة. حتى خصوم ساركوزي أيدوا هذه الحرب. دومينيك دوفيلبان، الذي خطابه أمام مجلس الأمن المعارض للحرب في العراق دخل الذاكرة الشعبية الفرنسية والعربية، أعلن تأييده لساركوزي، مهنئاً نفسه على مبادرة الرئيس والاقتراع مع القرار 1973. جان لوك ميلانشون المرشح اليساري للانتخابات الرئاسية القادمة قال: الشعب هو الذي يصنع الثورات في المغرب والشرق الأوسط. إذاً من الضروري منع القذافي من كسر الموجة الثورية.
عمل ساركوزي كل جهده واضعاً ثقل فرنسا في الميزان، واستثمر كل علاقاته لإقرار القرار 1973. وصل الأمر انه حاور الرئيس باراك أوباما على الهاتف طوال ساعة كاملة بعد الثانية صباحاً، لاقناعه بالذهاب بعيداً في المواجهة مع القذافي. تأييد الفرنسيين للحرب ضد القذافي، تحول الى شأن داخلي. يؤكد الفرنسيون، انه لم يكن مسموحاً ولا مقبولاً أن تقتحم كتائب القذافي بنغازي لتقع مجزرة على مثال سابرينكا لان هذه الكتائب أثبتت قدراتها واجرامها ضد المدنيين. يجب الا يتكرر التاريخ بسبب العجز أو الخوف أو دفعاً للمسؤولية.
أيضاً، أن تهديدات القذافي، بالتعامل مع القاعدة من جهة ودفع موجات من المهاجرين غير الشرعيين من أفريقيا باتجاه الضفة الشمالية للبحر المتوسط، من جهة أخرى، وما عرف من تاريخ القذافي بالتعامل مع مجموعات ارهابية باسم دعم العمل الثوري، جعل مسألة وقف الآلة الحربية للقذافي وتقوية الثوار الليبيين جزءاً من عملية دفاع وقائي شرعية.
كل هذه الأسباب مكنت ساركوزي من الحصول على دعم الفرنسيين، ما عدا اليمين المتطرف الذي تتزعمه حالياً ماري لوبن ابنة الزعيم التاريخي للجبهة الوطنية جان ماري لوبن، بسبب رفضه المبدئي لانخراط بلاده في أي حرب خارجية كما سبق وأن فعل هذا اليمين في حرب العراق. لكن كل هذه الدوافع المشروعة لا تمنع الاحزاب والقوى المعارضة للرئيس الفرنسي من القول علناً إن لساركوزي أسبابه الخاصة والشخصية لاندفاعه وحماسته للحرب في ليبيا. ساركوزي الذي انخفضت شعبيته الى أدنى مستوى في تاريخ الجمهورية الخامسة، يريد الحصول على قوة دفع تعيد له الشعبية وهو على باب الانتخابات الرئاسية عام 2012، وهو يعتقد ان تحقيقه لأي انتصار ولو محدود في السياسة الخارجية قد يساعده في ذلك، خصوصاً وانه حمى نفسه من أي مساءلة باستصدار مجلس الأمن القرار 1973 ومشاركة أميركية أوروبية عربية في العمليات.
أما وقد بدأت الحملة الجوية ضد قوات القذافي فإن السؤال الكبير: ماذا بعد؟
أربعة سيناريوهات تبدو في الأفق، في المواجهة مع القذافي. وهي تتراوح بين التفاؤل المعقول والتشاؤم المحدود. وهي:
أن ينهار نظام القذافي الفريد من نوعه، لأنه عملياً لا يحمل من النظام إلا اسمه. يرى الكثير من الخبراء أن نظام القذافي ليس أكثر من نمر من ورق وأن حلفاءه قابلون للتفكك ومحاولة النجاة بأنفسهم. ما يعزز ذلك أن جيش القذافي سيئ الاعداد، اما تجهيزه العسكري فقد تبين ان معظمه غير صالح للعمل خصوصاً في سلاح الطيران. إذ حصل ذلك قد يطلب القذافي اللجوء الى احدى الدول. السؤال هل يتم فتح الباب أمامه للرحيل بهدوء أم يتم تعطيل ذلك؟، خصوصاً إذا لم تحسن المعارضة المسلحة العمل عندما تستعيد السيطرة على المدن.
تأمل فرنسا ومعها أوروبا، أن يتحقق هذا السيناريو لأنه الأقل خطراً وكلفة.
الغرق في رمال الصحراء الليبية فتطول الحرب حتى لو بقيت محدودة، لتصبح الكلفة ضخمة على جميع الأصعدة، والأهم أنه كلما طالت الحرب يوماً إضافياً دون أمل بالانتهاء منها سريعاً، سيقع استنزاف التأييد السياسي والشعبي للحرب، فتنقلب المعادلة وتنهار كل الآمال خصوصاً الساركوزية المعلقة عليها.
* التوصل الى حل سياسي بدعم دولي، خصوصاً عربي. المهم العثور على صيغة مناسبة ومقبولة لهذا الحل، علماً أن مسألة التعايش مع نظام القذافي أصبحت غير مقبولة بعد أن اقتنع الرأي العام الغربي، خصوصاً الأوروبي منه، أنه يشكل خطراً مباشراً على الأمن القومي لبلادهم.
أن تتحول العمليات المحدودة حالياً الى حرب شاملة نتيجة لانسداد الأفق والتأكد من خطر الانزلاق نحو حرب استنزاف طويلة. يخشى الخبراء أن يذهب القذافي بعيداً فيعمل لفتح مخازن الأسلحة الموجودة في الجنوب الليبي أمام القاعدة في شمال إفريقيا ويمنحها حرية العمل والنشاط، ولا يعود أمام فرنسا وباقي الدول سوى إرسال قوات برية. ويرى خبراء عديدون أن إمكانات القذافي على المواجهة الشاملة ضعيفة جداً، لأن جيشه لا شيء أمام ما واجهه الغرب مع الجيش الصربي في كوسوفو. أيضاً أن إمكانية صدور قرار دولي جديد بدعم هذا الخيار احتمال قائم.
العالم أمام اختبار جدي وحاد في مواجهة العقيد القذافي. لكن مهما بلغ تصميم العالم على التخلص من القذافي ونظامه، فإن ذلك لا يمكن أن يتحقق إلا إذا عرف الليبيون أن عليهم تقع المسؤولية الكبرى في المواجهة وأنه حان الوقت لكي يخرجوا من الفوضى ومن التردد ومن الهتافات الى المشاركة المنظمة والشجاعة.
[email protected]
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.