نظام العقيد معمر القذافي، الفريد عالمياً من نوعه، يتعرى ويتفكك. إنشقاق وزير خارجيته موسى كوسا، ضربة في الصميم للنظام وللقذافي نفسه. كوسا كان طوال أكثر من ثلاثين عاماً، رجل المهمات الكبرى والخاصة الأمنية منها والسياسية، لذا هو كما يصفه عبدالرحمن شلقم وزير الخارجية الأسبق الصندوق الأسود للقذافي. هذا يعني أن معظم الأسرار الداخلية عنده.
في الوضع الحالي، أهمية كوسا أنه بانشقاقه ولجوئه الى لندن، يخلخل النظام كله، ويدفع القذافي الى الشك والقلق من الحلقة الضيقة المحيطة به. سقوط الثقة بالمعاونين في عزّ المواجهة تدفع الى الشك القاتل واتخاذ القرارات الخاطئة. وبالتالي حصاد المزيد من الخيبات والخسائر.
محاصرة القذافي سياسياً وعسكرياً ونفسياً، لا تعني أبداً أنه سيسقط خلال 24 ساعة. ما زال القذافي يملك أوراقاً كثيرة ذاتية وميدانية، تجعله يقاتل مؤجلاً الحسم ضده، لكن من المؤكد أيضاً أن القذافي لن يربح ولن يصمد الى الأبد. كل ما يحدث يؤجل النهاية ويطيل معاناة الشعب الليبي، وينتج مزيداً من التأزم الدولي قد يترجم بانخراط أوسع وأعمق عسكرياً على الأرض. عاصفة الصحراء ضد العراق لن تتكرر بالشروط والآليات والنتائج نفسها لكن من الواضح أن نسخة معدلة لتلك العاصفة تتم على الأرض وهي تتطور في وسائلها ومفاعيلها يومياً تبعاً لحيثيات المواجهة وتقلبات المواقف الدولية.
المشكلة الكبرى أن القذافي يملك السلاح والمال، ولديه الرجال سواء كانوا من القذاذفة الذين لا شك يخافون على سلامتهم وسلطتهم لذلك يزدادون التصاقاً به، وما لم تقدم لهم ضمانات ليبية ودولية أنهم ليسوا الهدف فإنهم سيبقون عمود خيمة القذافي. الى جانب أبناء عمومته جمع القذافي الكثير من المرتزقة من جميع الأصناف والانتماءات وهو قادر حسب التقديرات الغربية على شرائهم لوقت طويل، فهو استعد لمثل هذا اليوم، عندما نقل أموال النفط في عشرية سنوات المقاطعة والحصار الى حساباته ووضع مبالغ نقدية بالمليارات في خزائنه التي أقامها في أنفاق ضخمة سواء في العزيزية أو سرت.
الصورة المكملة لإمكانات القذافي، موجودة في المعارضة السياسية منها والمسلحة على السواء. سياسياً، تبدو إمكانات المجلس الانتقالي محدودة إذا أخذ في الاعتبار الأسماء المعلنة وهي 14 إسماً من ثلاثين. وأن الليبيين مصحرين سياسياً وتنظيمياً ولا يحسنون إلا الهتافات التي عملت الآلة القذافية الجماهيرية على صناعتهم. أما على الصعيد العسكري، فإن الصورة اكثر بؤساً. استناداً الى الخبراء الغربيين فإن كل أربعة من خمسة مقاتلين مدنيين لا يملكون غير حماستهم وهم غير منظمين. وبعد مرور أكثر من أربعين يوماً لم يتعلموا النظام فهم ليسوا أكثر من صورة مهتزة للميليشيات اللبنانية في مطلع الحرب الأهلية وهم يفتقدون كلياً العصب العسكري اي الاستراتيجية والتكتيك. فهم يتقدمون قوافل قوافل وكأنهم ذاهبون الى تظاهرة مليونية، فقط، عندما تتراجع قوات القذافي، ويتوقفون عندما تتوقف هذه القوات بدلاً من ان يندفعوا الى الامام، ويهربون وسط فوضى عارمة عندما تتقدم قوات القذافي.
الأسوأ من كل ذلك، أنهم يفتقدون السلاح الى جانب الفوضى الى درجة انهم لا يحوزون أجهزة اتصالات بسيطة من نوع التوكي - ووكي، مما حول المقاتلين الى مجموعات منفصلة عن بعضها البعض لا تعرف الواحدة عن الأخرى اي شيء، أما السلاح فما زال خفيفاً في مواجهة قوات مسلحة جيداً ومنظمة ومنضبطة عسكرياً. ربما الأنباء عن ارسال الادارة الأوبامية والبريطانيين مجموعات من المخابرات للاستطلاع ميدانياً والاتصال بقيادات المقاتلين من جيش القذافي المنشقين قد يسمح بتحسين الوضع على طريق انشاء مجموعات من الثوار أكثر تنظيماً وانضباطاً وتسليحاً.
هذه الحرب تخفي بلا شك حرباً أكبر، هي الحرب على النفط والغاز. الواقع انه لو لم تكن ليبيا تملك هذه الثروة الضخمة لما اهتم احد برمالها ورجالها. في جميع الأحوال فان هذه الحرب ذات شقين: ليبي ـ ليبي ودولي ـ دولي. ليبياً، من المعروف ان الغرب الليبي يحتوي نحو ثمانين بالمئة من النفط فيما الشرق بملك الغاز والقليل من النفط. الحرب تدور على الشريط الشرقي الذي يضم النفط من طبرق الى بن جواد، حيث معظم النفط والمصافي والمصانع البيتروكيماوية. لذلك تستميت قوات القذافي للسيطرة عليها قبل تحسن جهوزية الثوار. أما على الصعيد الدولي فان كل فريق يعد نفسه بحصة اكبر من قالب الجبنة الليبي. الأميركيون الذين عادوا مؤخراً الى الحقول يريدون حصة أكبر وفرنسا التي لعبت دوراً طليعياً تسعى لرفع حصة توتال. أيضاً الغرب يطمح مستقبلاً الى سحب البساط من تحت ارجل الصين الشرهة لكل المواد الأولية في كل افريقيا خصوصاً في ليبيا.
الحرب مفتوحة على كل الآفاق. القذافي خسر الحرب زنقة زنقة وليس دفعة واحدة. وهو لن يبقى في السلطة. لكن كما يبدو على الأرض سيعمل على ان تكون كلفة هزيمته ضخمة لليبيين وللتحالف الدولي على السواء. رغم ذلك فان رحيل القذافي يبشر بولادة فجر جديد في المنطقة يقوم على انه لن يكون بعد اليوم نظام يقمع شعبه ليبقى ويدوم الى الأبد.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.