8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

لبنان في قلب إعصار ثورات الربيع العربية

من واجب اللبنانيين حكومة وشعباً وأحزاباً وقوى سياسية، أن يتحرّكوا ويتصرّفوا في هذه المرحلة بحذر شديد. لبنان حتى وإن كان يعيش حالة من الهدوء المتوتّر، في وقت تتقلب فيه مختلف الساحات والدول في المنطقة على جمر الأحداث، فإنّه يبقى في قلب الإعصار. الجغرافيا فرضت وتفرض على لبنان قاعدة لا يمكنه الفكاك منها، وهي أنه جسر لا يمكن الانتقال والتنقّل إلا عبره، وهو في الوقت نفسه عقدة قطع ووصل لا يمكن إلا التعامل معها. من المضحك المبكي أنّ لبنان الذي عاش طوال أربعة عقود تغيّرات دامية، وحروباً عديدة لا يمكن أن يتحمّلها أي بلد آخر من دون أن يتعرّض للتشوّه أو العجز وحتى التفكك، يجد نفسه حالياً في وضع المتفرّج الإيجابي، الذي لا يمكنه إلا التعامل مع ما يحدث شرط ألا يحرق يديه بالنار المشتعلة أو الكامنة.
ليس ما يعيشه لبنان من هدوء متوتر ناتج فقط عن الوضع الطارئ في الشقيقة - التوأم سوريا. هذه حلقة إضافية ترفع من منسوب حساسية الوضع لكن ثورة الياسمين في تونس، وثورة 25 يناير في مصر وثورة التغيير في اليمن وثورة 17 فبراير في ليبيا والأحداث في البحرين كل واحدة منها وفي الوقت نفسه كلها مجتمعة حدث لبناني لا يمكن الفكاك عن نتائجه ومتغيّراته.
قد لا تعني تونس الكثير للداخل اللبناني، رغم أنّ أهل تونس يتفاخرون بأنهم أبناء قرطاجة وأحفاد هنيبعل اللبناني. لكن أن تتحوّل تونس وتصبح دولة ديموقراطية من دون أن تسقط في أحضان الأسلمة السياسية لنظامها، ومحافظتها على علمانيتها المتقدّمة خصوصاً في جانب الحقوق المدنية للمرأة، يخص جداً لبنان، لأنّه بذلك لا يبقى جزيرة في المنطقة، وفي الوقت نفسه يدعم التوجّهات الديموقراطية والعلمانية واللاطائفية الصاعدة في مجتمع الشباب اللبناني بعيداً عن 14 و8 آذار.
أما مصر ومستقبل ثورتها، فإنّها تعني لبنان مثل كل العرب، لا بل أكثر، لأنّ مصر مستقرّة وديموقراطية وقويّة قوّة للبنان، أما مصر ضعيفة فإنّ لبنان سيكون أضعف بكثير، لأنّ الخلل في التوازن العربي سيكون كبيراً ولغير مصلحته. لذلك كلما استقر الوضع في مصر، وكلما نجحت الثورة في إحداث التغيير المنشود باتجاه الدمقرطة العميقة وإبعاد شبح الإخوان المسلمين عن السلطة، يكون أفضل للبنان قبل كل العرب.
اليمن بعيد جغرافياً عن لبنان، لكن اليمن حلقة قطع ووصل في المنطقة من الخليج العربي إلى القرن الافريقي. التغيير في اليمن ضروري جداً، لا يمكن أن يبقى الرئيس علي عبدالله صالح الذي كان يريد توريث ابنه السلطة بعد أن بقي 32 سنة، وفي وقت لم يعد مع علي إلا صالح من القبائل ومن المكوّنات المدنية خصوصاً في الجنوب. كلما استقر اليمن خفّت الضغوط على منطقة الخليج العربي، وبالتالي أصبح لبنان أكثر قوّة وأمناً.
أما ليبيا، فإنّ قصتها مع لبنان قصّة. العقيد القذافي اختطف لبنان لسنوات. وضع يده بسبب الثروة التي أعطاها للشعب بالشعارات واستولى عليها مباشرة ومن دون مساءلة، على مسارات الحرب والسلام لسنوات في لبنان، هذا من دون نسيان الجريمة الكبيرة التي ارتكبها عندما غيّب الإمام موسى الصدر الذي كان مشروعه الأول والكبير أن يكون الشيعة مكوناً أساسياً من مكونات الدولة في لبنان. سقوط القذافي وقيام الجمهورية في ليبيا يريح مصر وتونس والمغرب العربي الكبير وأيضاً لبنان.
تبقى البحرين وأحداثها. خطورة ما يحدث أنّه كشف عمق الخلافات خليجياً مع إيران. بعيداً عن المطالب الشعبية المشروعة، فإنّ دخول إيران على الخط يؤكد وجود صدام كامن قابل للانفجار بين مشروع إيراني كبير ورفض عربي له رغم غياب المشروع العربي المتكامل المضاد.
في كل هذه السلسلة من الثورات والأحداث، فإنّ انخراط أي طرف لبناني سلباً أو إيجاباً فيها، يضع هذه القوة ومعها لبنان كله أمام امتحان لا أحد بحاجة له حاضراً ومستقبلاً. من مصلحة اللبنانيين الوقوف إلى جانب أخوتهم من الشعوب في مطالبهم الشرعية والمشروعة، لكن الانخراط الكامل يعني المراهنة على الربح، مع أن احتمالات الخسارة واردة جداً، ونتائجها لا بد ستنعكس حكماً على الجميع.
حتى ولو كانت النار مشتعلة في هذا الجزء أو ذاك يجب ألا يغيب عن الرؤية أنه في قلب هذه النار تجري التسويات الكبرى، التي لا تظهر مضامينها إلى العلن إلا متأخّرة. في مثل حالة لبنان من الأسلم لكل اللبنانيين أن يحموا رأسهم في وقت تجري فيها لعبة الأمم على كامل الرقعة من المحيط إلى الخليج، وليس كما كان يجري سابقاً فقط في لبنان، حيث الحسابات تبقى ممكنة لأنّها محدودة ومحصورة، عكس ما يجري حالياً حيث التداخلات في الأسباب والنتائج غير محدودة.
[email protected]

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00