8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

التفاؤل لا يلغي التعقيدات ولا يشكّل حكومة

لو زرعت الوعود والتسريبات والتصريحات الجازمة عن قرب تشكيل الحكومة في لبنان برئاسة نجيب الميقاتي، لأينعت وأزهرت حتى في الصحراء. أكثر من شهرين والوضع على حاله مع مزيد يومي من المراوحة، لا بل أحياناً يجري التقدم خطوة ليتم التراجع أكثر من خطوتين إلى الوراء. كل جهود الرئيس المكلف نجيب ميقاتي، ونشاطه المكثف والمقتدر في تدوير الزوايا، لم ينتج حلحلة في المواقف. الأكثرية الجديدة المفترض أنها وحدة متماسكة لا تخترق ولا تتفرق، تبدو مجموعة من الفسيفساء غير المتجانسة التي كلما جرى جمعها بانت الاختلافات في ألوانها وخطوطها وبدت صورتها النهائية أكثر تعقيداً وتحويراً من لوحات بيكاسو.
حزب الله هو أكثر أطراف الأكثرية تفاؤلاً بقرب تشكيل الحكومة. عملياً هو القادر فعلياً على دفع عملية التشكيل إلى الأمام لأنه الأقوى والضابط الحقيقي لكل ايقاعات التشكيلات الأخرى في الأكثرية الجديدة. لكن حزب الله رغم جهوده العلنية يبدو غير قادر على حلحلة المواقف حتى بالنسبة لحصص كل فريق من فرقاء هذه الأكثرية الفسيفسائية. الحزب مستعد للتضحية ببعض حصته لتسريع تشكيل الحكومة لكن ذلك لا يكفي أبداً. فالأزمة تبدأ بالأرقام ولا بد أن تنتهي ـ وهي عملياً بداية أخرى ـ في رسم مسارات الحكومة المشكلة سياسياً واقتصادياً.
الأكثرية الجديدة وعلى رأسها حزب الله، أسقطت اتفاق الدوحة الذي استثمرته بالحصول على الثلث الضامن في الوزارة المستقيلة. رغم رفض الأكثرية السابقة المشاركة في الحكومة التي يجب أن تتشكل لإخراج لبنان من أزمته كما يقولون، (مما يسهل عمل الرئيس ميقاتي وحزب الله معاً)، إلا أن وجود عقدة الجنرال عون تزيد إطالة الأزمة. يقولون إن الجنرال اعتاد رفع سقف مطالبه عالياً ليحصل في النهاية على أقصى ما يمكن للآخرين اعطاؤه. لكن هذا التكتيك العوني، يزيد إرباكات حزب الله.
أيضاً، حزب الله في مواجهة عقدة أخرى وهي ميقاتية طرابلسية مئة في المئة. الرئيس ميقاتي وجد نفسه أمام عقدة توزير فيصل عمر كرامي، والواقع أمام التمثيل السني في الحكومة إلى جانب أنه لا يريد أن يبدو وكأنه الرئيس الذي رغم اعتداله يخسر يومياً من الحقوق الدستورية الممنوحة له في التشكيل. كما أن الرئيس ميقاتي لا يريد أن يبدو ضعيفاً أمام طرابلس والطرابلسيين في وقت شكل استقبال طرابلس الأخير للرئيس سعد الحريري استفتاء صعباً لا يمكن تجاهل معطياته من الرئيس ميقاتي وغيره. أيضاً للرئيس ميقاتي مشكلة مع الخارج. ليس من مصلحته أمام العالم الخارجي أن يبدو في التركيبة الوزارية التي سيقدمها يوماً، وكأنه أسير معلن لـحزب الله وتوجهاته ومساراته. أخيراً في الوقت الذي لا يخفي الرئيس المكلف تحالفه الكامل والمتين مع الرئيس نبيه بري، يتابع يومياً عملية الاستنزاف المبرمج للأخير، ذلك أن وثائق ويكيليكس التي تُنشر والمتضمنة المواقف الحادة لرجال الرئيس من الحزب ومن السيد حسن نصرالله، ليست بريئة. مهما جرى نفي صحتها وموقعها في المؤامرة التي تحاك ضد الرئيس برّي، فإن الأمر المؤكد وجود مؤامرة لإضعاف الأستاذ ودفعه للدخول تحت عباءة السيد بدلاً من الوقوف معها.
أخيراً مهما قيل عن استقلالية هذا الطرف أو ذاك في تشكيل الحكومة، فإن لبنان ليس جزيرة في أعالي البحار. كان لبنان وسيبقى في قلب أعاصير المنطقة. لا يمكن لأي مسؤول ولا أي حزب أن يتحرك ويقرر خارج مفاعيل هذه الأعاصير. سواء كان الرئيس ميقاتي أو حزب الله، لا يمكن الواحد منهما أن يقرر بعيداً عن مفاعيل ما يجري حالياً في المنطقة خصوصاً على صعيد المربع: السوري السعودي التركي الإيراني.
تشكيل حكومة مواجهة على قياس طموحات حزب الله ـ اذا كان فعلاً يريد الذهاب إلى المواجهة، من الصعب أن تلقى تجاوباً كاملاً من الرئيس المكلف لأنه لا يمكنه إلا أن يجري حساباته على أساس مسطرته العربية - الدولية. أي حركة له غير محسوبة بدقة، تفقده توازنه الخارجي وهو قطعاً لا يسعى إليه ولا يريده أصلاً..
المشكلة أن الإعصار بالكاد بدأ داخل المربع الذي وإن كانت تفاعيله تشمل المنطقة كلها، بأن لبنان يبقى جزءاً مهماً منها. أمام هكذا حالة خارجية محيطة بلبنان، من الصعب القول إن الخلافات حول حصص كل جزء من الأكثرية الفسيفسائية هي التي تحول دون تشكيل الحكومة. الأزمة أكبر وأعمق من ذلك.
أما اللبنانيون الذين يتلقون الضربات من أفريقيا إلى الخليج العربي، فإن من حقهم أن يصلّوا كثيراً حتى لا يركب أحد رأسه ويعتقد أنه قادر على فرض ما يريده على أمل الانتصار في مواجهة لا معنى لها مع طواحين الهواء.
[email protected]

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00