8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

غباغبو ينتهي والآخرون يقاومون

إلقاء القبض على رولان غباغبو، ينقذ ساحل العاج، والرئيس نيكولا ساركوزي والجالية اللبنانية هناك إلى حدّ ما. الخوف والقلق كان كبيراً من أن يستمر غباغبو بالمقاومة، ولا تنتهي الحرب الأهلية إلا وقد فَقَدَ الساحل عاجه، وأصبحت بلاد الكاكاو بلا طعم ولا رائحة. الخطر كان قاتلاً وما زال بطريقة وأخرى، من وقوع مذابح وجرائم ضد الإنسانية، خصوصاً أن ما كشف عنه حتى الآن يشكل بداية دموية لمسار مفتوح على كل الصعد والحالات التي سبق وأن عرفتها افريقيا. نهاية غباغبو لا تعني السلام الشامل والكامل. ما زال أمام الرئيس حسن وتارا فواتير داخلية وخارجية عليه أن يدفعها فوراً ولاحقاً. الأهم من كل ذلك ان يثبت قدرته على وقف الانهيار والمذابح ضد المدنيين، خصوصاً أن القبلية تتداخل عنده مع الطائفية، لتشكلا كوكتيلاً حارقاً لبلاد أكبر وأكثر استقراراً وامكانات من ساحل العاج. البداية جيدة، المهم المسارات القادمة. لا شك ان الرئيس وتارا سيكون تحت مراقبة ومتابعة مكثفة من المجتمع الدولي، ورعاية مباشرة من باريس.
الرئيس نيكولا ساركوزي، يستطيع إعلان انتصاره الخاص في ساحل العاج. لقد راهن ساركوزي وربح رهانه. كان يقف على حافة الغرق في رمال متحركة لحرب أهلية سبق أن سببت مثيلاتها في افريقيا الأوجاع وما زالت لباريس، يستطيع ساركوزي الضعيف جداً في الداخل استثمار هذه النهاية السعيدة للحرب في ساحل العاج، وأن يؤكد أمام الفرنسيين انه حافظ على الكاكاو وثرواته للخزانة الفرنسية. بلا شك، حقق ساركوزي نقطة لصالحه في وقت يخسر فيه يومياً من رصيده في الداخل، وهو على أبواب استحقاق انتخابي رئاسي قادم فتحت أبوابه للمنافسة على مصاريعها.
هذا الانتصار في ساحل العاج لن يعفي ساركوزي من المساءلة في مواقع أخرى. الحرب في ليبيا بدأت تثير حفيظة الفرنسيين. منسوب القلق كبير لدى الفرنسيين من أن تتحول الحرب في ليبيا إلى حرب أهلية طويلة تنزلق فرنسا فيها تدريجياً نحو المخاطرة بالكثير من أجل ربح القليل. ذلك ان النفط الليبي يبدو مقسماً ومتفاهماً عليه، ما عدا نقطة واحدة وهي: هل تبقى حصة الصين المستقبلية محفوظة لها أم يتم استبعادها ضمن سياسة اميركية اوروبية واضحة تهدف إلى التضييق على الشراهة الصينية للمواد الأولية، وبالتالي الحد من نموها وزحفها المنظم والمدروس على المواقع المنتجة للمواد الأولية خصوصاً في افريقيا؟
مساءلة ساركوزي يومية في فرنسا حول كل شيء خصوصاً كل ما يتعلق بالقضايا الداخلية. مواقف ساركوزي من الجالية الإسلامية باسم العلمانية، تقلق شرائح فرنسية واسعة، من ان تصب نتائجها في طاحونة اليمين المتطرف. الفرنسيون لا يرحبون وحتى لا يريدون الحجاب فكيف بالنقاب، لكنهم يعتبرون ان المس بالحرية الفردية ممنوع. لذلك لا مانع من الحجاب لكن من غير المقبول النقاب، لأنه فعل تمييزي. التمييز ممنوع ومرفوض في المجتمع الفرنسي. المهم ان مساءلة ساركوزي اليومية في فرنسا تؤكد ثوابت من نتاج ديموقراطية عريقة وراسخة من أبرز أسسها:
[ لا يوجد أحد فوق القانون، حتى ولو كان رئيساً للجمهورية. بالعكس لأنه الرئيس عليه أن يكون الأول بين الفرنسيين في احترام القوانين.
[ ان الرئيس حتى ولو كان يتمتع بالشعبية أو يفتقدها، له الحق بطلب الثقة مجدداً من الناخبين الفرنسيين لولاية ثانية فقط. الرئيس إلى الأبد حالة ممنوعة من الصرف في دولة ثارت وأسقطت الملكية قبل أكثر من قرنين. من نتاج هذه القاعدة المداورة في السلطة. اليوم اليمين وغداً اليسار. المهم استمرار وسلامة الجمهورية التي تبقى فوق الزعماء والقادة ولو كانوا من حجم الجنرال شارل ديغول.
الرئيس نيكولا ساركوزي يدرك ويعرف ويخضع لهذه الثوابت لذلك يجهد لخوض الانتخابات الرئاسية وهو يعرف جيداً ان حظوظه بالفوز قليلة جداً حتى الآن. له الحق ان يعمل المستحيل من أجل الفوز بولاية ثانية فقط شرط أن يقوم بما يقوم به تحت سقف الدستور والقانون ومصلحة فرنسا العليا.
يبقى ان نهاية الحرب في ساحل العاج، ترفع إلى حد ما الخطر عن رقاب جالية لبنانية ضخمة ناشطة وفاعلة ومؤثرة. من الطبيعي أن تضم هذه الجالية عناصر فاسدة، لكن المؤكد ان الاغلبية العظمى منهم يعملون بعيداً من أهلهم ووطنهم من أجل عيش كريم. لكن اما وقد انتصر حسن وتارا وأصبح الرئيس رسمياً، وبعيداً من أخطاء الماضي، فإنّ على اللبنانيين في ساحل العاج وفي باقي الدول الافريقية ان يعوا ويدركوا ويعملوا على أساس المتغيرات الجديدة التي طالت المجتمعات الافريقية. لا يكفي أن يقيم اللبنانيون علاقات متينة مع الرئيس والقيادات حتى يستمروا بالعمل بأمان واستقرار. حان الوقت لأن يقيموا علاقات مع الشعوب وأن يحترموها ويقفوا مع خياراتها وحقها بالعيش الكريم. أيضاً على اللبنانيين أن يدركوا ويعملوا بناء على الثوابت المتشكلة حديثاً، ومنها ان إسرائيل تعمل، وهي حققت نجاحات مهمة في افريقيا، ضدهم. الحماية الوحيدة للبنانيين في مواجهة إسرائيل كسب ثقة الشعوب وعدم إهمالها وأحياناً استغبائها وحتى استحمارها.
مبروك لشعب ساحل العاج.. وعقبال العايزين بدءاً من ليبيا والعقيد معمر القذافي.
[email protected]

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00