جريمتان في أسبوع واحد. من الصعب جداً حسم أي جريمة من الجريمتين أكثر هولاً وخطراً. الأولى، تحويل مصراتة إلى ستالينغراد ليبيّة على يد كتائب القذافي ومرتزقته، والثانية شنق الناشط الايطالي فيكتوريو اريغوني على يد مجموعة سلفية في غزة. العقيد القذافي الذي يحب ألا يبقى أي ليبي حياً إذا كان لا يحبه، كما أعلنت ابنته عائشة، يغتال يومياً وطناً بكامله من أجل البقاء مع عائلته في السلطة، لا يهمه البشر ولا الحجر، لأنه منذ جاء إلى السلطة قبل أربعين سنة وهو يغتال الليبيين نفسياً وسياسياً واقتصادياً.
اخترع القذافي نظاماً أطلق عليه الجماهيرية ملغياً الليبيين عملياً . حوّل العقيد الليبيين إلى مجموعات من الهتافين والمصفقين واستولى على ثرواتهم تحت شعار السلطة والثروة للشعب. أكثر من ذلك جعل من كل قبيلة مثابة ثورية في مواجهة القبائل والمثابات الأخرى. لا شك أن القذافي يجمع بين الجنون والدهاء. أكبر دليل على ذلك أنه استثمر جنونه ضد العالم بدعوى دعم الثورات، ثم استخدم دهاءه ليبيع الغرب الذي حاربه تعاونه ومليارات الشعب الليبي حتى يبقى ويصبح ملك ملوك افريقيا، بعد أن كان أميناً عاماً للقومية العربية والثائر الذي لا يشق له غبار.
العقيد مستعد لاستخدام السلاح النووي ضد الشعب الليبي الذي لم يقل عنه يوماً إنه شعب عظيم إلى جانبه القائد العظيم، مَن يستعمل القنابل العنقودية ضد المدنيين في مصراتة، على غرار إسرائيل في جنوب لبنان، مجرم حرب يرتكب جرائم ضد الإنسانية. يوماً بعد يوم يتعلم الليبيون فن الحرب.
الليبيون لا تنقصهم الشجاعة، فقد حاربوا الجيش الفاشي الايطالي حتى الاستشهاد كما حصل مع عمر المختار. لا يمكن للشعب الليبي إلا أن ينتصر عاجلاً أم آجلاً. لم يعد يوجد أي حل، إما القذافي أو الشعب الليبي. من الطبيعي أن الطغاة يرحلون والشعوب تبقى.
في غزة التي حققت حركة حماس أكبر إنجازاتها، في تثبيت الانفصال عن الضفة الغربية، ربحت السلطة وخسرت كل شيء. انتصار حركة حماس وانتصار غزة وفتح الباب كما سبق وأن جرى التحذير منه لحركات اكثر تشدداً منها للظهور والتحرك لفرض نفسها ومواقفها من دون الأخذ برأي حماس أو الشعب الفلسطيني. لا يهم اسم المجموعة التي اغتالت الشهيد فيكتوريو اريغوني، وقبله المخرج جوليانو خميس. هذه الجريمة هي أولاً ضد الإنسانية. مناضل ايطالي ترك كل شيء من أجل فلسطين. آخر صورة له ظهرت وهو يقبّل رسم فلسطين هاتفاً تعيش فلسطين. هو قال ذلك، والذين قتلوه اغتالوا فلسطين.
القذافي يغتال الشعب الليبي. الذين قتلوا اريغوني بدم بارد يغتالون القضية الفلسطينية، في أكثر الأوقات دقة وحرجاً. لا يمكن لهؤلاء القتلة أن يكونوا في خدمة الله وفلسطين، إنهم بلا شك في خدمة الشيطان وإسرائيل.
الشعب الليبي يقاتل، في حين أن ما يحصل في غزة هو دفع الشعب الفلسطيني إلى الطلاق بكل ما يؤمن به. لا تستطيع حركة حماس أن تعفي نفسها من المسؤولية. كل ما فعلته طوال السنوات الماضية أنتج هذا التحوّل الإجرامي باسم الإسلام وهو بريء منه. من أجل السلطة والباب العالي خارج فلسطين تضحي حماس بكل شيء. حان الوقت لتستفيق قيادة الحركة وتقرر وتعمل من أجل فلسطين القضية وليس فلسطين السلطة. أمام حماس والسلطة برئاسة الرئيس محمود عباس فرصة أخيرة للمصالحة وإنهاء الانفصال. مسؤولية عباس عمّا حصل ويحصل لا تقل أبداً عن مسؤولية حماس. لذلك يجب أن يكون الجهد مشتركاً، بعيداً عن حسابات الأبواب العالية لكل منهما. دون ذلك فإنّ ما كان متوقعاً سيحصل. بعد حماس ظهر الجهاد وهو أكثر تشدداً. اليوم سرية الصحابي محمد بن مسلمة وغداً ستولد سرايا أكثر دموية وعنفاً وضد القضية الفلسطينية باسم القضية.
أما في ليبيا، فإنّ الشعب الليبي، وإن كان القذافي قد جعل من القبلية فيه درعاً لنظامه، قد أصدر قراره: لا عودة إلى حكم القذافي. كذلك المجتمع الدولي كما قالت الترويكا المشكّلة من: باراك اوباما ونيكولا ساركوزي وديفيد كاميرون، لا تتخيل مستقبل ليبيا والقذافي على رأس السلطة. كيفية الوصول إلى ليبيا بلا قذافي هو الشغل الشاغل لكل الدوائر في العالم. كلما رفع القذافي منسوب جرائمه ضد الشعب الليبي ساهم في إنضاج الحل الدولي النهائي ضده.
العالم يتغير وليس فقط الوطن العربي، هذا العالم وإن كانت مصالحه هي الأساس لكل سياساته، إلا أنه لم يعد بمقدوره ولا مسموحاً له الصمت عن القيادات والرؤساء القتلة. كذلك فإنّ الشعوب العربية كسرت حاجز الخوف ولن تتراجع أمام الرصاص والقنابل وحتى الإبادة.
عالم جديد يولد بإرادة الشعوب. مهما قيل عن أدوار خارجية في تحريك الأزمات، فإنّ ذلك لا يعفي القيادات والزعامات من مسؤولياتها ومن مواجهة شعوبها بعد أن دقت ساعة الحرية.
[email protected]
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.