الثوار الليبيون، يتعلمون الحرب بسرعة. لا حجة لإثباتات ميدانية لتأكيد هذا التطور الضروري. تكفي قراءة الشرائط المصوّرة لمعرفة هذا التطوّر. في 17 فبراير والأسابيع القليلة التي تلته، كان الثوار يتحركون وكأنهم ذاهبون الى تظاهرة اعتادوا فيها الهتاف ورفع علامة النصر للقائد معمر القذافي طوال أربعة عقود. كانوا أيضاً أشبه بالميليشيات اللبنانية بعد 13 نيسان وفي مثل هذه الأيام، وهم يتساقطون واحداً تلو الآخر في الأزقة التي يجهلون أنها مستنقعات تبتلع البريء والمجرم من دون فرق. الآن يتحركون، بثبات وبالكثير من المعرفة لحروب الشوارع. الثوار الليبيون من البداية لا تنقصهم الشجاعة. كانوا بحاجة للتنظيم والمعرفة. الآن بدأوا يكتسبونها. على الرغم من ذلك ما زال أمام هؤلاء الثوار الكثير ليتعلموه، مع كل الرجاء ألا تطول هذه المدة، لأنهم يستحقون الحياة والحرية، مثلهم في ذلك مثل كل الشعوب العربية التي ثارت أو التي تعيش إرهاصات الثورة، بانتظار أن تتفوق على نفسها وتكسر حاجز الخوف. الحرية والخوف لا يجتمعان. الثمن كان وما زال من دماء شعوبنا، لكن التجربة وامتلاك الحق بالتغيير يستحقان هذا الثمن المرتفع.
حتى الآن، ما زال الثوار، أقل قوة مما يجب، في حين أن نظام القذافي الاستثنائي ما زال أقوى مما كان متوقعاً. الثوار بدأوا من الصفر، وهم يعتقدون أن الانتصار خلف أبواب منازلهم الموصدة من الخوف. في حين أن القذافي وأسرته عملوا طوال أربعة عقود على أساس أنهم سيبقون أربعة قرون. استباحوا كل شيء. كأن ليبيا أرض بلا شعب. لذلك الحرب طويلة، ما لم تفرقع وتتناثر الدائرة المحيطة بالقذافي، يجب انتظار الأسوأ. القبلية كانت تاريخياً عامل قوة بكل ما يمتلكه أهلها من نخوة وشجاعة وشهامة. القذافي وغيره من القادة العرب، حوّلوا مصدر القوة هذا الى ثقب أسود ينتج الخوف والتقوقع والانغلاق وتحويل كل الفضائل التي كانت ثروتها المميزة الى أسلحة جبانة لا وظيفة لها إلا القتل. أمام الليبيين وغيرهم من الشعوب العربية، مهمة كبيرة بعد الربيع الذي سيطيح كل هذه الأنظمة المريضة، أن يعيدوا الى القبيلة والقبلية ربيعها الذي سُرق منها.
أمام جحافل القذافي ومرتزقته، يجد الليبيون أنفسهم أمام مأزق تاريخي وهو: هل يطلبون ويرحبون بدخول قوات برية من الجيوش الأطلسية؟ للأسف، لقد وُضع الليبيون كما سبق وأن حصل مع العراقيين، أمام خيارين لا ثالث لهما وهو القبول بالاستبداد والديكتاتورية، أو الترحيب بالتدخل الأجنبي الذي هو شكل من أشكال الاحتلال. معركة مصراته تشكل اليوم المنزلق الانحداري السريع باتجاه الترحيب بقوات أجنبية تساهم في إنقاذهم من براثن القذافي ومرتزقته.
الحلف الأطلسي أمام مأزق حقيقي. أثبتت الحرب في ليبيا خلال الشهرين الماضيين وتحديداً منذ صدور القرار الدولي 1973، أنه أضعف مما كان معتقداً. ضعف الحلف ليس عسكرياً ولكن لأن قراره ليس موحداً. ما زالت المصالح لدى رسم مواقف الدول الأعضاء تتفوق على المبادئ. مصالح الدول الأعضاء متضاربة في مواقع كثيرة. يمكن صياغة ألف سبب وسبب لإخفاء دوافع المصالح في إسقاط القرارات الإيجابية.
أيضاً أثبتت الحرب في ليبيا أن الحلف الأطلسي من دون الولايات المتحدة محدود في قوته وفعاليته وقراراته. الأميركيون هم العمود الفقري لهذا الحلف. نقطة على السطر. واشنطن مترددة جداً في اتخاذ أي قرار سياسي وعسكري في ليبيا، يؤدي الى إنزلاقها في حرب طويلة. الرئيس باراك أوباما لا يريد أن يسمح بحرب ثالثة بعد أفغانستان والعراق. الأسباب داخلية وذاتية. الولايات المتحدة الأميركية تمر بأزمة اقتصادية حقيقية، أبرز مظاهرها العجز الكبير والذي لم يعد مقبولاً دولياً في الميزانية الأميركية. كذلك فإن أوباما وهو يقف على مشارف الاستحقاق الرئاسي لا يريد أن يستيقظ يوماً على وقع أنباء تفيد بسقوط ضحايا أو أسرى أميركيين. ربما هذا التردد الأميركي له أسباب اخرى. الإدارة الأوبامية تريد أن تطلب منها الدول الأعضاء في الحلف، وتحديداً الأوروبية، مشاركتها القيادية في إدارة الحرب بعد أن سحبت منها القيادة عملياً.
يجب العثور على حلول صغيرة ولكنها فاعلة ومؤثرة أمام هذا المأزق الكبير، خصوصاً وأن القذافي، وهو يتحدث عن خطر انتشار القاعدة، يمنح المتشددين في الحلف الأطلسي الأسباب الكافية للتدخل لمحاربة القاعدة التي من الواضح أنه يتعامل وينسق معها ضد الشعب الليبي، والغرب معاً. ربما البداية في دفع واشنطن طائرات بلا طيارين الى المعركة. والأهم إنزال خبراء ومستشارين في الأراضي الليبية لمساعدة الثوار في التنظيم والتدريب وتوجيه الأسلحة الأطلسية من طائرات وسفن حربية في عمليات القصف الجراحي.
عاصفة الربيع العربي، أنتجت الكثير خلال أشهر قليلة، خصوصاً وأن النظام العربي قام واشتد في عقود. الحرب في ليبيا أثبتت أن وحدة هذا النظام لا تعني غياب الخصوصية والاختلاف بين مكوّناته. لذلك من الطبيعي جداً أن يختلف شكل الثورات ووسائلها وأسلحتها بين مكوّنات هذا النظام. لا شك أن كل شعب عربي قادر على استنباط الوسائل الكفيلة بنجاح هذا الربيع في التغيير. لا داعي ولا ضرورة للعجلة والإلحاح.. مطلوب الخروج من الخوف الكامن خلف الأبواب المقفلة والمزيد من العمل والصبر معاً.
[email protected]
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.