تحبّ أو لا تحبّ دبي، لا يمكنك إلا الإعجاب والدهشة بها ومنها. يمكن أن يُقال بسهولة ومن دون تردد إنها مدينة مصنوعة ومرسومة وحتى أنها نسخة طبق الأصل عن مدن عالمية عدة.
لكن لا يمكن إلا الاعتراف بلا تردد، أنها مصنوعة بكفاءة نادرة، ومرسومة مثل لوحة لفنان عظيم. لا يغير ولا يقلل من جهد أهل دبي أن يُقال إن النفط والمال يمكّنهما أن يحيلا الصحراء جنّة خضراء. المال موجود صحيح، لكن أيضاً يجب الاعتراف أن وراء دبي رؤى ومشروعاً.
الفرق كبير بين وجود المشروع عند تكوين الدولة، وغيابه. لا يمكن هنا إلا تذكر الرئيس الشهيد رفيق الحريري. أهميته أنه كان صاحب رؤية ومشروع. الدول تبقى محدودة مهما كانت ثروتها في ظل غياب المشروع عن قياداتها.
النجاح الكبير مشروع دبي، يتجسد في تحولها من صحراء الى برج بابل حقيقي. العالم كله في دبي. ليس هذا في طغيان وجود اليد العاملة الأجنبية، وإنما أيضاً وهو الأهم في موجات السائحين الأجانب. لو لم تكن دبي تقدم ما يرضي وما يشجع هؤلاء القادمين من أوروبا واليابان والهند ومن العرب، خصوصاً اللبنانيين، نعم اللبنانيين، لما جاؤوا. لقد عثر صاحب المشروع على السبل الكفيلة والوافية لكي يعبر القادمون بمئات الآلاف الى دبي.
دبي، هي نيويورك مصغرة، وأسواق لندن وروما وباريس الفنية، وملاهي باريس وكل عواصم الأرض وديزني وورلد مليئة بالحياة في قلب الصحراء.
كل هذه التقديمات التي تستقدم السائحين من أربع رياح الأرض، ما كانت لتكفي لولا توافر الأمن والاستقرار والثقة بوجود دولة راعية وضامنة. يمكن توجيه ألف سهم وسهم الى تمظهر هذه الدولة ولكن لا يمكن إلا رؤية جانب مضيء فيها، وهو في معرفة أهلها إمكاناتهم وقدراتهم وحدود طبيعتهم وقيود جغرافيتهم.
في هذه النقطة لا يمكن إلا العودة الى لبنان. كيف وصل لبنان المفتوح على العالم منذ تشكل، للانغلاق الى هذه الحالة التي تكاد تصبح قاتلة؟ لماذا يكاد ينتهي دور لبنان رغم موقعه؟ كيف تستجلب صحراء دبي كل هذا الخليط من الناس الطالبين لأيام من الفرح والمتعة، في حين أن جبال لبنان وأهله الذين جبلوا على الانتفاح على العالم واللغات يستعطون مجيء السياح ولو الألوف بدلاً من الملايين؟ كيف تحول لبنان من بلد غني بعقوله الى مصنع لتصدير يده العاملة وعقوله الى درجة إفقار أغنى ما يملكه في قطاعي المصارف والسياحة؟
الجواب بسيط. ليست الحرب الأهلية وحدها المسؤولة عن هذا الانزلاق نحو الفقر والإفقار في الإنسان والقطاعات. أيضاً ليست الحرب والمقاومة ضد العدو الإسرائيلي هي المسؤولة عن استمرار الأزمة رغم كل شيء. منذ العام 2006 لم تطلق رصاصة ضد العدو الإسرائيلي إلا في حالة العديسة بين الجيش اللبناني والعدو الإسرائيلي. رغم ذلك لبنان يعاني وأزمته تكبر وتتعمق وتتوسع وتنتشر من جنوبه الى شماله مروراً بجباله. الكلام اليومي عن الحرب القادمة لا يجيش اللبنانيين. إنه يخيفهم ويخيف خصوصاً القادم اليه.
في قلب هذه الأزمة المستمرة، وفي هذا الانزلاق السريع نحو التصحّر، انهيار الشعور لدى قوى عديدة بالانتماء الى الدولة. لا يكفي أن يُقال تريد دولة. المطلوب الإجابة ماذا فعلت من أجل الدولة وبقائها وتعزيزها. قضم الدولة تحت حجج لم يعد لها معنى، هو الخطيئة التي تصل الى حدود الجريمة. أي قوة من القوى تضرب الدولة مسؤولة. بقاء لبنان من دون حكومة بعد مرور ثلاثة أشهر مهما كانت الحجج العلنية التي لا يمكن قبولها ولا تقبّلها، جزء من حالة قضم الدولة.
الارتهان بمفاعيل المتغيرات والأحداث الخارجية جزء من ضرب الدولة. البديل الإسراع في الحلول وتقوية الدولة لمواجهة الاستحقاقات الخارجية.
عندما يحصل ذلك يقع الفعل والتفاعل وينعكس ذلك في شعور اللبنانيين بالأمن والأمان.
عندما لا يقول أي مواطن يستولي على أرض مشاع للدولة أو للغير، إنه بذلك يعوض الحرمان الذي يعيشه أو عدم قدرته على السكن بعد فورة الأسعار أو لأن الدولة تركت الحيتان الكبيرة تستولي على الواجهة البحرية لأجمل الشواطئ في البحر المتوسط، عندئذٍ فقط تقوم الدولة. عندما ترفع القيادات الغطاء عن رجالها قبل رفعها عن محازبيها تعود الدولة.
أيضاً، عندما تكون الدولة لكل المواطنين، لا تفرق بينهم في الواجبات والحقوق، لا يعود أي مواطن يجد الأعذار لطعن الدولة بأي طريقة من الطرق. أيضاً وأيضاً عندما لا تؤدي فوضى السلاح الى الفوضى، خصوصاً عندما يستقوي البعض به على البعض الآخر، تبقى لهذا السلاح قداسته وتقديره.
يستحق لبنان أكثر بكثير مما هو عليه. يستحق اللبنانيون الحق بالحياة والكرامة في الداخل والخارج معاً. الرجال يأتون بالمال. المال لا يصنع الرجال.
دبي صنعها رجال، وهي تصنع تاريخها. ولبنان ذو التاريخ القديم والفن والغنى يضيّع تاريخه. مطلوب لاستعادة لبنان رجال يملكون الرؤية والمشروع والشجاعة في اتخاذ قراراتهم وتنفيذها من داخل لبنان وليس انتظار ما سيحدث ويأتي من خارج لبنان.
[email protected]
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.