يستطيع الرئيس نجيب ميقاتي أن يمدد صبره مئة يوم أخرى بعد أن كادت تنتهي المئة يوم الأولى من دون تشكيل الحكومة. لكن اللبنانيين لن يتحملوا ولن يعتادوا على الفراغ القائم مهما كان صبرهم عظيماً. لو أن الأمل قائم بانتهاء الأزمة لهان الصبر، لكن يبدو أن الرهان على الحل صعب جداً. ما فعله الرئيس ميقاتي والجنرال عون وحزب الله وأمل أنهم دخلوا نفقاً أقفلوا مدخله ورموا مفتاحه خارجاً. ربما يريدون أو يأملون أن يفتح لهم أحد الباب من الخارج، رغم أن الأزمة من فعلهم أولاً وأساساً. انتظار انتهاء عاصفة الربيع العربية للبناء عليها طويل جداً، والأطول والأصعب منه تحديد مفاعيلها ونتائجها. الثورات لا تُصنع في يوم، ولا تنتهي في أسابيع. مصر أكبر الدول العربية وأكثرها عراقة على صعيد المؤسسات تعيش مخاضات يومية لم تنتهِ ولا تبدو أمام ختامها. فكيف بباقي الدول التي تتقلب على نار صراعات داخلية تكاد تتحول الى حروب أهلية مثل ليبيا واليمن وغيرهما؟
ليست الأزمة متمظهرة في من يتولى وزارة الداخلية فقط.. فالخلافات ظهرت أيضاً حول وزارتي الاتصالات والطاقة؛ وقبل هذه وتلك يبقى السؤال الأول والأخير من هو السائق الحقيقي والفعلي لقطار الأغلبية الحديثة؟
محاولة الإجابة عن هذا السؤال، تُظهر عمق الأزمة التي يعيشها أطراف الأكثرية الحديثة. الملاحظة الأساسية أنه يجب فكفكة عُقد الأزمة عقدة عقدة. السلسلة طويلة، والقوى القادرة على المساعدة مشغولة في همومها الخاصة والداخلية.
الأكثرية الحديثة التي تبلورت بعد الانقلاب الدستوري، تكاد تكون مثل لاحس المبرد ينتشي بأنه قادر وهو في الوقت نفسه ينزف يومياً، هذه الأكثرية غير قادرة على تشكيل حكومة مواجهة لأسباب كثيرة منها:
[ إن الرئيس نجيب ميقاتي، له حسابات عامة وذاتية. لا يمكن لميقاتي أن يخرج من طائفته مهما بلغت رغبته بتشكيل الحكومة، فمن يخرج من جلده لا يمكنه استعادته خصوصاً في لبنان حيث كل شيء طائفي ومذهبي. أيضاً لميقاتي حسابات ذاتية تتعلق بموقعه كرجل أعمال دولي. يعرف الرئيس ميقاتي، وكما سمع مرات من عواصم عديدة، أن الحكومة التي سيقدمها ستكون تحت المجهر والمراقبة والموقف منها وبطبيعة الحال منه يتوقف على مواقفه وحكومته.. والرسالة واضحة جداً.
[ حزب الله كان يمكنه وهو في قمة صعوده وإثبات قدرته على الإمساك بالأرض، أن يتقدم خطوة كبيرة الى الأمام ويتفاهم مع الأكثرية القديمة. الحزب فضل الإمساك بالسلطة على احتضان لبنان والوطن. مشكلة إضافية فاجأته، تصاعد عاصفة الربيع. لا يمكنه حالياً اتخاذ قرار نهائي ولم تتبلور الخطوط الأساسية لهذه العاصفة. أبعد من ذلك كان الحزب وهو يقود المقاومة ويراقب السلطة، يتحرك بحرية ويتعامل بقوة أكثر. الآن، بعد أن غرق في المستنقع يجد نفسه عاجزاً؛ أكبر دليل على عمق أزمته أنه يرفض علناً الاعتداءات على الأملاك العامة والبناء عليها، لكنه لا يستطيع الحسم لأنه سيضطر للمواجهة مع قاعدته الشعبية. أبناء هذه القاعدة دفعوا أموالهم لبناء ما بنوه. إذا جاء الحق وزهق الباطل واضطروا للقبول بالهدم بناء لموقف حاسم ونهائي من الحزب، خسرهم الحزب وخسروا أموالهم. وإذا استمرت الاعتداءات فإن كل أدبيات الحزب لا تنفع ولا تصرف.
[ الجنرال ميشال عون يخوض حرباً على غرار كل حروبه المستحيلة. حربه الأولى، والكبيرة مع الرئيس ميشال سليمان بدلاً من أن يكون سنداً له كرئيس للجمهورية يجب أن يُمارس كل ما نص عليه اتفاق الطائف، وهو يصعّد يومياً في مطالبه لتسجيل نقاط على الجميع وفي ذهنه تصفية السنّية السياسية علماً أنه داخل خيمة الشيعية السياسية الصاعدة والشرهة. مأزق عون، أنه إذا جاء وقت الحل فسيجد نفسه مضطراً لتقديم التنازلات. يُقال إنه رفع سقف مطالبه على أمل أن تخفيض مطالبه لن يخترق سقفه الحقيقي، لأن عون كجنرال سابق يعرف أن المفاجآت حتى المناخية منها تقلب الحسابات والنتائج فكيف في مثل هذه الحالة حيث عاصفة الربيع فتحت المنطقة على كل الاحتمالات.
المأزق الكبير أن الأكثرية الحديثة تحتاج الرئيس نجيب ميقاتي، فشله يعيدها أقلية كما كانت. أي سبب يدفع ميقاتي للفشل وخروجه من الرئاسة، يحول دون بقاء الأكثرية أكثرية. لا شك أن تسمية أي شخص آخر، سواء كان الرئيس عمر كرامي أو الوزير عبدالرحيم مراد أو حتى الوزير محمد الصفدي سيؤدي إلى إفقاد الأكثرية أكثر من أربعة نواب. لا شك أن تصور مثل هذا الانقلاب على الانقلاب السابق، سيكون أكبر من فشل.. سيكون كارثة سياسية لجميع مكونات هذه الأكثرية. لذلك فإنّ المحافظة على الرئيس ميقاتي مهمة صعبة جداً والأصعب منها تحمل تكاليفها.
اللبنانيون هم ضحايا هذا المأزق. حالياً الوضع الاقتصادي يقف على حافة الانهيار. لأول مرة: ميزان المدفوعات يشهد عجزاً منذ خمس سنوات، لأول مرة يرتفع عجز الموازنة إلى 37 في المئة بعد أن كان في العام الماضي نحو 21 في المئة، أيضاً الفائض الأولي الذي كان إيجابياً أصبح سلبياً.إلى جانب هذه الأرقام القائمة، فإنّ حركة العبور على الحدود مع سوريا انخفضت نحو 80 في المئة وهي مهددة أكثر فأكثر، ما يعني أن موسم الصيف السياحي كله مهدد بكارثة حقيقية ستؤدي إلى أزمات اجتماعية خطيرة. الأصعب قادم بسرعة، من ذلك ارتفاع أسعار البنزين إلى ارتفاع أسعار المواد الأولية وأبرزها القمح أي رغيف الخبز.
تستطيع القوى والأحزاب السياسية الصبر. لكن اللبنانيين لن يطول صبرهم، لأن لقمة عيشهم في الميزان، معركة عض الأصابع بدأت بقوة بين المواطن والحاكم، في زمن عاصفة الربيع والفوز كما هو متوقع.. للمواطن.
[email protected]
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.