المواطن اللبناني المؤمن بالدولة والملتزم بها يعاني يومياً، الى حد المرض والوهن والشلل، من شلها وتفتيتها، وكلما تقدم مسار إلغاء الدولة وإسقاط هيبتها خطوة، قطع المواطن اللبناني الحر خطوات عديدة نحو فقد الأمل بالمستقبل له ولابنائه. الاحباط يصنع اليأس، لكنه أيضاً يعمق الاحقاد. مشكلة اللبنانيين الملتزمين بالدولة، أنهم يعرفون جيداً أن عاصفة الربيع العربية، لن تمر عليهم، كما يحصل عند الآخرين، هذا الوعي المسبق لغياب الثورة والتغيير، نتاج حقيقي لخصوصية النظام اللبناني.
لو كان في لبنان نظام ديكتاتوري لا يرحم، لكان يمكن الصبر حتى تطل الثورة. مهما كانت المخاضات الكريمة صعبة، بالنهاية لا بد أن تقع الولادة على يد الطامحين للحرية والكرامة بقدر طموحهم للقمة العيش الكريمة أو أكثر. المشكلة أن النظام اللبناني الفريد من نوعه يحول دون مرور الربيع. هذا النظام الطائفي، نجح في تحويل كل الطوائف الى مكعبات لا يمكن تدوير الزوايا فيها ولا تفكيكها. ان أي محاولة حقيقية للتغيير تصطدم فوراً بـالحق المشروع للدفاع عن النفس. إن معرفة أركان هذا النظام لهذه الحالة المانعة تجعل عملية الإصلاح بعيدة جداً وحتى مستحيلة أحياناً فكيف بالتغيير؟! تتطلب مثل هذه العملية أن يخرج الطائفيون من طوائفهم حتى يمكن التقدم خطوة الى الأمام.
تزاوج ضرب الدولة وهيبتها مع الأزمة الحكومية والمعيشية ولاحقاً الاقتصادية المفتوحة على كل المخاطر يرفع يومياً منسوب شعور المواطن اللبناني بالعجز، والقلق وتزايد اتكاله على الخارج لحل مشاكله وفك العقد التي تقيده. المشكلة أن الخارج كله مشغول في هذه الفترة وحتى أشهر طويلة بهمومه ومشاكله الخاصة. لذلك فإن التعقيدات الخارجية تزيد تعقيد المشاكل الداخلية وتساهم في تجميد حلها.
لا يصدق أي لبناني، أن المسؤولية عن فشل قوى 8 آذار في تشكيل الحكومة المنتظرة مرتبطة بالمطالب الملحة لهذا الفريق أو ذاك.
اللبنانيون يعرفون جيداً أن لكل قفل مفتاحا. تجهيل مكان الاقفال وهو المعروف جيداً من الجميع، ليس عذراً ولا حلاً. اللبنانيون يستحقون العيش أفضل بكثير مما يعيشونه ويتوقعونه. مشكلة اللبنانيين أنهم غير قادرين على الضغط على قياداتهم والخوف من تحول أي محاولة للضغط الى حملة تخوينية لا حدود لها، ولا ضوابط أخلاقية لها يشلهم.
حتى عاصفة الربيع العربية، وجدوا لها صانعاً هو الولايات المتحدة الأميركية. معاناة الشعوب العربية وتوقها الى الحرية والكرامة والأمن والأمان، ليست أسباباً كافية بنظرهم لنجاح الثورات. أمل الشباب بالتغيير لا يكفي لتفجير الثورات. حتى لو اعترفوا بحق المواطنين بالثورة، فإنهم يجدون في المؤامرة أسهل الحلول الجاهزة. الطريق الى كل ذلك أن واشنطن قررت انطلاقاً من التزامها بالواقعية السياسية التعامل مع تيار الاخوان المسلمين.
بهذه العملية ترضي المسلمين وتبقي على مفاتيح علاقاتها مع هذا النظام العربي الناشئ بين يديها. واشنطن لا تصنع، وانما تستثمر. المشكلة اننا نحن لا نمسك بأقدارنا كما يجب.
أبعد من ذلك، النجاح في قتل أسامة بن لادن، لم يكن صدفة في توقيته، كأن بن لادن لم يكن عدواً للشعب الأميركي قبل أن يكون هدفاً للإدارة الأميركية. النجاح الأميركي كما يصور أصحاب الفكر التخويني جزء من عملية معقدة لضرب الأصوليين وفتح الطريق أمام الاسلام المعتدل لتسلم السلطة بعد عاصفة الربيع.
مهما قيل ويقال عن مقتل أسامة بن لادن، فإن أمراً مؤكداً في كل سيرة بن لادن ومساره، أنه أساء لقضايا المسلمين والعرب أكثر بكثير مما أفادهم. لم يقم بن لادن ووراءه القاعدة بأي عملية ضد إسرائيل والمصالح الإسرائيلية، كل عملياته كانت بعيدة عن فلسطين، لذلك لا يمكن إلا تهنئة باراك أوباما بهذا الانجاز. على الأقل لم يحققه جورج بوش حتى لو ربح أوباما نقاطاً عديدة في معركته للفوز بولاية رئاسية ثانية، فإنه قدم للمسلمين قبل غيرهم في العالم هدية تخفف الأعباء عنهم وعن حركتهم للدخول الى العصر.
باراك أوباما ومعه العالم كله ربح معركة كبرى ومفصلية في الحرب العالمية ضد الارهاب. ما زالت أمام باراك والعالم معارك عديدة لربح الحرب.
اللبنانيون ليسوا خارج هذه الحرب، استعادتهم للدولة وخروجهم من مكعباتهم الطائفية، جزء من الحرب ضد الأصولية المتعددة الأشكال والأطياف. إذا لم يكن باستطاعة اللبنانيين أن يفتحوا أبوابهم أمام عاصفة الربيع على الأقل فليعلنوا رفضهم الكامل لكل الدجل السياسي الذي يطيل أزمتهم ويغرقهم في اليأس.
[email protected]
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.