حادثة أمبابة ليست الأولى من نوعها في مصر. وقعت في الماضي حوادث مشابهة وخطيرة، لكنها لم تكن في حجم الجريمة التي اجتاحت مربعاً حساساً في القاهرة. توقيت هذه الجريمة أيضاً ليس بريئاً. بلا شك انها طعنة في ظهر ثورة 25 يناير، وهي طعنة دامية، قد يتحوّل جرحها إلى خنادق للبننة مصر. التحذير من الوصول إلى هذه الحالة، هو مصري مئة في المئة. أكثر من ذلك يوجد إجماع بأن مصر أمّة في خطر. تعدّد الأيدي الاجرامية المشاركة في العنف الذي اجتاح امبابة وكاد يهدد الجيزة كلها، لكي تنتقل مثل النار في الهشيم إلى الصعيد، يؤكد أن ما حصل كان مخططاً له عن سابق تصور وتصميم.
بداية، توجد مشكلة طائفية في مصر. من الغباء والعمى السياسي والاجتماعي، إنكار وجود هذه المشكلة. منذ أكثر من عقد، يجري العمل داخل مصر وخارجها على تغذية هذه المشكلة وتحويلها إلى سكين قاتلة تذبح فيها مصر من الوريد إلى الوريد. أربعون سنة وربما أكثر، يجري تجاهل هذه المشكلة وكأن لا جذور لها. في البداية، عمد أنور السادات الرئيس الراحل، إلى تضخيم حجم الإسلاميين لضرب الناصرية والناصريين، ونجح في تحقيق هذا الانجاز. لكن الغول الذي رعاه السادات وغذاه، عاد وقتله في المنصة. جاء الرئيس المخلوع حسني مبارك، فقمع الإسلاميين بكل الوسائل، ثم فتح لـالاخوان المسلمين كوّة لدخول مجلس الشعب ثم أبعدهم. السياسة الخرقاء لمبارك جعلت مروحة التيار الإسلامي تنمو على حساب باقي القوى والأحزاب. الاخوان يستعدون للتحول إلى قوّة ضاغطة وفاعلة وراسمة لمسارات الدولة المصرية التي تتشكل في ظلال ثورة 25 يناير. الأزمة ليست حتى الآن عندهم ولا معهم، الأزمة هي مع السلفيين وتطرّفهم وتشديدهم على انهم والاخوان هم البحر وأن الأقباط بحمايتهم! فأين الأقباط من كل ذلك؟.
الأقباط جزء أساسي وتاريخي من مكونات مصر الشعبية والاجتماعية. لا يمكن القول ان الأقباط وافدون على مصر، او أنهم بحماية أو رعاية أحد. لهم ما لهم وعليهم ما عليهم من حقوق وواجبات. أصل المشكلة انه جرى تهميش موقع الأقباط ودورهم في الدولة المصرية. في آخر انتخابات برلمانية وبعيداً عن التزوير الذي وقع فيها، لم يفز قبطي في الانتخابات، وقام مبارك بتعيين عدد منهم وكأنهم حصته. هذا التهميش ولّد الاحتجاج أولاً ثم الرفض، ومع نمو التيارات الإسلامية نشط البعض منهم في الخارج ليشكلوا هيئات وجمعيات، مهما كانت صلابة بعضها، فإنّ بعضاً منها لا بد أن يسقط تحت ضغوط الممارسات داخل مصر والاغراءات خارجها خصوصاً في الولايات المتحدة الأميركية.
الاعتراف بوجود مشكلة قبطية أولاً مهما كان حجمها الفعلي، وفشل كل الممارسات السابقة ثانياً، خصوصاً الحل الأمني منها سواء كان دعماً لهم أو ضدهم، هو بداية الحل الفعلي. المشكلة القبطية بدون مواربة تتطلب حلولاً سياسية واجتماعية أولاً وأخيراً. يبقى أن:
*ثورة 25 يناير مستهدفة مباشرة، يجري حالياً اختبار كل الاسلحة لضربها. الفتنة الطائفية واللبننة أخطرها إذا حصل الممنوع، تصبح الثورة وكل المطالب وقيام نظام ديموقراطي في خبر كان. العنف الطائفي يخلق وينمي التخوف والتقوقع والانعزال والأهم غياب العقل عن القرارات.
*قوى عديدة تعمل على ضرب الثورة وتحديداً في الخاصرة الطائفية الرخوة. وطاويط النظام السابق لهم مصلحة مباشرة في كل ذلك، بإغراق الدولة والثورة خصوصاً الجيش في مستنقع اللبننة، مما يلغي مباشرة محاسبة أركان النظام المباركي عن كل ما فعلوه بمصر من سرقات مقنعة وإلغاء لدور مصر العربي والدولي. قوى عديدة متضررة من عودة مصر الى موقعها المتقدم في صياغة المسارات للسياسات العربية والأفريقية. نجاح مصر في مصالحة الفلسطينيين اربكت قوى خارجية عديدة في مقدمها إسرائيل. ليس من باب تحميل الآخرين فعل التآمر، لإسرائيل مصلحة في إغراق مصر في مشاكل داخلية واسعة تلهيها عن العودة الى دورها العربي والأفريقي. لإسرائيل يد في استثمار مثل هذه الجريمة ان لم يكن في رمي الزيت على نارها.
*القوات المسلحة، والاخوان المسلمون، أمام امتحان صعب جداً. كيفية تعامل كل واحد منهما مع الأزمة الطائفية المشتعلة، ومع أساسها أي في إخراج الأقباط من شعورهم بالابعاد والتهميش وحتى من خطر قيام دولة إسلامية تجعلهم أهل ذمة، أو حتى في استكمال المخطط الجهنمي في إخراج مسيحيي الشرق من الشرق. والقوات المسلحة عليها أن تكمل ما بدأته وهو أن تبقى راعية للثورة وحاضنة لها وحامية لمفاعيلها ونتائجها. أما الاخوان الذين لأول مرة يخرجون الى العلن والهواء الطلق، عليهم أن يثبتوا أنهم هم الذين يقوون التيار الإسلامي بما يخدم الدولة المصرية، لا أن يسقطوا بفعل المزايدات في شباك السلفيين والمتطرفين، فيضيعون موقعهم ومعهم مصر.
مصر كلها مسلمين وأقباطا، قوات مسلحة وأحزابا وقوى سياسية أمام لحظة الحقيقة. على الجميع مراجعة التجربة العراقية والعرقنة، ومسارات اللبننة حتى تخرج مصر الأمة من الخطر، وتكمل طريقها في أخذ موقعها الطبيعي والشرعي في رسم المسارات وليس تنفيذ أو رفض مسارات الآخرين، الذين صنعوا ويصنعون حضورهم بسبب غيابها.
[email protected]
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.