انتهى العقيد معمر القذافي، لم يعد أمامه سوى الهرب واللجوء الى أدغال احدى دول أفريقيا، ليعيش فيها ملكاً على ملوكها. حتى الهرب سيكون ممنوعاً عليه متى صدرت بحقه، خلال الأيام القليلة القادمة، مذكرة دولية لارتكابه فئتين من الجرائم ضد الإنسانية: القتل والاضطهاد.
القرار الدولي اتخذ ولا رجعة عنه. القرار باصطياده وأسره وحتى قتله صدر، ويتم تنفيذه رغم حملة الانكار. قصف العزيزية يومياً، يؤشر الى ذلك. قاوم القذافي وأتباعه ومرتزقته وقتاً طويلاً لأنه أقام نظامه على احتمالين، إما بقاؤه الى الأبد وتوريث النظام وليبيا كلها، أرضاً وشعباً، لأولاده السيوف المصلتة على رقاب الليبيين، وإما تحويل ليبيا الى أرض محروقة بعد أن حرم أكثر من نصفها من التنمية والعيش بكرامة.
تطورات ميدانية وسياسية تؤكد أن ساعة القذافي قد دقت. بدأ الوهن يضرب آلته العسكرية والقمعية. تراجع هذه القوات نحو الغرب، تحت الضربات الأطلسية والثوار، ثابت ومؤكد. في الوقت الذي بدأت فيه قوات القذافي تضعف، رجال الثورة يحترفون الحرب والقتال. لا شك ان ارادة الثوار وشجاعتهم وعمادة النار ما كانت لتحدِث هذه الاختراقات لولا المساعدات العسكرية الأطلسية وتحديداً الفرنسية. الفرنسيون سربوا بأن حوالى خمسين عسكرياً من جميع التخصصات والأسلحة موجودون حالياً في ليبيا. مقتل الفرنسي في بنغازي يثبت هذا التواجد. الفرنسي القتيل أسس في العام 2003 شركة سيكوبكس التي تقدم نفسها على أنها شركة دعم استراتيجي وعملاني.
خالد الكعيم، نائب وزير الخارجية لنظام القذافي، قال إن النظام لن يحاول استعادة الشرق بالقوة من أيدي المتمردين. التسليم الرسمي بسيطرة الثوار ناتج عن اليأس من إمكانية تحقيق انتصارات جديدة. من الأفضل لقوات القذافي ومرتزقته حماية طرابلس، في الوقت الذي يبدو أن خطة ميدانية يجري حالياً تنفيذها وهو تشكيل دائرة نار حولها بعد انتهاء معركة مصراته التي شكلت بلا شك معركة ستالينغراد في الحرب الليبية.
بداية تفكك الدائرة المحيطة به من العائلة والقبائل الغربية، يؤشر الى النهاية القريبة. انضمام محمد قذاف الدم ابن شيخ قبيلة القذاذفة الى الثوار اضافة الى انضمام 23 مجلسا محليا الى المجلس الوطني الانتقالي يؤكد أن قبائل الغرب وفي مقدمها القذاذفة بدأوا يعيدون حساباتهم. الآن يمكنهم التفاهم والتفاوض على وجودهم في السلطة القادمة. كلما تقدم الوقت تضاءلت الفرص أمامهم.
أيضاً تجري دراسة ميدانية قائمة على قراءة موضوعية لتركيبة ليبيا الاجتماعية والقبلية حول ما إذا كان يجب إكمال الزحف من الشرق باتجاه طرابلس الغرب تمهيداً لاقتحامها، أم من الأفضل محاصرتها وترك أهلها يصفّون حساباتهم مع القذافي ومعاونيه. مجرد حصول معارك ليلية داخل طرابلس، يؤكد وجود تحضيرات لضرب القذافي من قلبه.
سقوط القذافي غداً أو بعد غد، يؤكد التحولات التي اجتاحت وتجتاح العالم العربي. مهما كان الفرق واضحاً بين الأنظمة الاستبدادية والديكتاتورية في العالم العربي، فإن ثوابت بدأت تولد من قلب المتغيرات:
[ لم يعد مقبولاً ولا مسموحاً لأي زعيم في العالم وحالياً في الشرق الأوسط، أن يتغير العالم كله ويبقى هو في السلطة ويعمل على توريث أبنائه من بعده. لذلك لن تطول اقامة علي عبدالله صالح ولا معمر القذافي كما حصل في السابق مع زين العابدين بن علي وحسني مبارك والحبل على الجرار كما يقول المثل الشعبي.
[ إن المتاجرة بالحرب ضد الارهاب مهما كانت تجارة رابحة فإن لها نهاياتها. القذافي قدم الكثير لواشنطن ولفرنسا وغيرهما في السنوات الأخيرة من الخدمات في هذه الحرب. رغم تهديدات سيف الإسلام بحرق العالم إذا ضرب نظام والده، أقدم المجتمع الدولي على خطوة كانت مطلوبة قبل ثلاثة عقود، وهي رفض الرضوخ للارهاب وللتعاون في وقت واحد. خطأ الغرب في هذه الحرب انه قدم التنازلات فكانت النتيجة أنه كلما تنازل استقوى عليه مستثمرو هذه التجارة الرابحة.
وأولى ثمرات هذا كله وأخطرها استقواء القذافي ومن يشبهه من الحكام على شعوبها.
لن يبكي أحد القذافي ولا أمثاله. كائناً من كان البديل، لن يكون أسوأ منه. حتى الحرب كما هو حاصل في ليبيا، يمكن الشفاء منها وبناء ما تهدم، في حين أن استمرار نظام القذافي وأمثاله الذين يستخدمون المدرعات ضد شعوبهم، يسبب آلاماً لا تنتهي ولا تشفى لأنها تتعلق بالمستقبل.
[email protected]
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.