لأوّل مرّة منذ 44 عاماً، كان كل شيء هادئاً على الجبهة الجنوبية في لبنان، في وقت كانت فيه جبهة الجولان ساخنة كما لم تكن يوماً منذ حرب تشرين من العام 1973. غاب اللبنانيون والفلسطينيون عن ذكرى الخامس من حزيران، لأنهم التزموا الواقعية السياسية. لم ينزلقوا عاطفياً، فلم يسقطوا في شباك تضحيات مجّانية، تعرّض لبنان كله للخطر. عندما تدق أجراس المواجهة الحقيقية، لن يتأخّر اللبنانيون والفلسطينيون معاً عن المواجهة. اللبنانيون قاوموا ودفعوا الأثمان غالياً من حرّيتهم ودمائهم وأرزاقهم وحتى من حقوق الدولة عليهم. أهمية مقاومة اللبنانيين منذ الرصاصة الأولى للمقاومة غداة نكسة الخامس من حزيران أنّها كانت من أجل تحرير أرضهم المحتلة وليس لاستثمارها ومقايضتها بعيداً عن الأرض في مفاوضات طويلة طالت كل شيء إلا التحرير.
في الخامس من حزيران 2011، تم فصل المسار دون المصير مع سوريا عملياً. لا يعني هذا أنّ اللبنانيين تخلّوا عن تحرير ما تبقّى لهم من أرض محتلة في مزارع شبعا وغيرها، ولا عن دعم سوريا في أي عملية سياسية أو حتى عسكرية لتحرير الجولان. شاء لبنان أم أبى، توجد وحدة مصير مع سوريا، والعكس صحيح. الشرط الوحيد الذي تقوم عليه هذه الوحدة، هي أن تصب الدماء والدموع والثروات المدمّرة في طاحونة التحرير والحرية والاستقلال. لا يغالي أحد من اللبنانيين والفلسطينيين المقيمين في لبنان بانتظار يوم العودة، أنّ قلوبهم كانت تنفطر وتدمي وهم يشاهدون قوافل الشهداء والجرحى يتساقطون على مشارف الجولان المحتل، ويتمنون لو كانت هذه الدماء الزكية التي سالت كانت كما دماء اللبنانيين والفلسطينيين معاً نهراً متّصلاً في الزمان والمكان وصولاً إلى شاطئ التحرير، وليس فقط ثورة لبركان خامد منذ عقود، سيعود إلى ركوده حتى مناسبة من مناسبات النكبة والنكسة وما بينهما وبعدهما.
الواقعية السياسية ميّزت حركة الجميع. الجيش اللبناني الذي ضبط الأرض والحدود مؤكداً وطنيته وجاهزيته، والفلسطينيون الذين أخذوا قرارهم بعدم الانزلاق كما اعتادوا كثيراً في الماضي نحو لعبة لن يكونوا فيها أكثر من ضحايا على مذابح أخرى لا علاقة لها بفلسطين ولا بالتحرير. أيضاً، وهو مهم جداً، حزب الله الذي استمع بعقله وقلبه إلى نبض الشعب اللبناني خصوصاً الجنوبيين منهم، فضبط نفسه وقواعده رغم كل الدعوات والإغراءات وحتى التحدّيات.
حزب الله مدعو الآن أكثر من أي وقت مضى الى إكمال مسار الواقعية السياسية الذي بدأه في الخامس من حزيران، مع بقاء يده على الزناد في الجنوب في مواجهة العدو الصهيوني الغاصب والمعتدي والمخادع. هذه دعوة شفافة وبريئة يمكن أن تسمعها قيادة حزب الله لو خالطت مجتمعات شعبية غير قواعدها، ولو كان السيد حسن نصرالله ليس أسيراً للضرورات الأمنية الحقيقية والملحة.
اللبنانيون يشعرون بالقلق من الأوضاع الصعبة الحالية التي تهددهم مستقبلاً أكثر من اليوم، خصوصاً في المجال الاقتصادي الذي يطال رغيف عيشهم. هذا الفراغ المفروض على لبنان ناتج عن عملية ربط نزاع بين الداخل والخارج. المسؤولية كبيرة وموجعة وهي تقع على عاتق حزب الله لأنه عمود الأكثرية الجديدة.
حزب الله محشور في خانة اليك أكثر من كافة اللبنانيين وأحزابهم بسبب عملية ربط النزاع القائمة بين الداخل والخارج. مهما كابر الحزب فإنه واقع بين مطرقة وسندان التطورات في سوريا وإيران. كل يوم جديد من التطورات الميدانية والسياسية في سوريا، وتعمق الصراعات والخلافات على السلطة والخط السياسي للجمهورية في إيران، يرفع منسوب الاحراج الذي يواجهه الحزب.
فك ربط النزاع مع الخارج ممكن. لن يخسر حزب الله إذا اعترف بأن انقلابه على الأكثرية لم يكن منتجاً، وأنه أسقط لبنان في الفراغ، وأفقد دمشق مساندة ودعم قطر وفرنسا، لأنه ليس مقبولاً إسقاط اتفاق الدوحة من طرف وبقرار احادي ناتج عن شعور بالقوة.
حزب الله يربح كثيراً إذا دخل في أعماق واجباته اللبنانية وأولها حماية السلم الأهلي، وكرامة اللبنانيين ليس أمام العدو الصهيوني فقط وإنما أمام الحاجة الاقتصادية والمالية. حصول اللبناني على رغيف عيشه بكرامة ودون قلق ولا خوف يعادل حكماً وبلا تردد حصوله على التحرير والاستقلال والسيادة.
لبنان بحاجة الى مبادرة وطنية كبيرة تحصنه أمام مخاطر الأيام الآتية. الربيع العربي الذي يقترب من حدوده ساخن جداً. واجب حزب الله قبل غيره وفي خطوة تحميه وتحصنه من أي استحقاقات قادمة لأنه أكثر من جميع القوى اللبنانية بين المطرقة والسندان، أن يفتح عقله وقلبه وذراعيه للخروج من هذا الفراغ.
التردد لم ينفع ولن ينفع. أكبر دليل على ذلك أن أياً من رؤساء تونس ومصر واليمن وليبيا، تعمقت أزمته ودقت ساعته كلما تردد وتأخر عن التعامل مع الوقت لأنه سيف ان لم تقطع به قطعك.
[email protected]
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.