8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

مصير الحكومة مرتبط بمصير دمشق

الثقة البرلمانية مهمة وضرورية، لكنها لا تكفي، لأنها لا تكتمل إلا بالثقة الشعبية. نصف الشعب اللبناني رفض ويرفض منح هذه الحكومة الثقة. مهما قيل انها حكومة شكلت في لبنان مئة بالمئة، فإنها لم تولد إلا بعد تدخل من الطبيب السوري المباشر والعلني. المخاض الطويل انتهى في ليلة واحدة بعد عودة النائب وليد جنبلاط من لقائه الرئيس بشار الأسد حاملاً معه كلمة السر. الاستاذ تفوق على الجميع عندما كسر العرف من أجل إنجاز ولادة هذه الحكومة التي لا يعني قص حبل الخلاص فيها انها حرة وطليقة وصحتها بخير.
لا تكفي النوايا الطيبة، ولا حتى الإرادات المرسومة للحكم على الحكومة. اللبنانيون سيتابعون من قرب ويومياً تنفيذ الحكومة لوعودها، التي لو تحقق منها عشرة بالمئة لاعتبرت حكومة ناجحة بجميع المقاييس. لكن يبقى الامتحان الحقيقي، في كيفية نجاح الرئيس نجيب ميقاتي في التوفيق بين ما يرغب فيه ويريده ليحفظ لنفسه موقعاً شعبياً دائماً وما يستطيع تنفيذه. مهما بلغت براعة الرئيس ميقاتي في تدوير الزوايا، فإنه سيبقى مقيداً في حركته وتوجهاته في ظل التركيبة الخاصة للحكومة.
كيف سيتمكن ميقاتي من التوفيق بين الكفاءة وتطوير الإدارة وتحسينها وفي الوقت نفسه التعامل مع المطالب والشروط الفئوية والطائفية والاستفزازية والكيدية؟. هذا الامتحان غيض من فيض، لان الأساس كيفية تحسين الوضع المعيشي والاقتصادي للمواطن والوطن في وقت واحد.
الرقابة الشعبية اللبنانية التي على المعارضة البرلمانية ترجمتها بكفاءة لانها تتحمل مسؤولية أساسية في الفترة المقبلة، ولذلك فإنها مطالبة بصياغة استراتيجية تأخذ بعين الاعتبار شروط الداخل وتحولات الخارج. هذه الرقابة قد تدفعها إلى تحسين أدائها. لكن مشكلة الحكومة الأساسية هي في الرقابة الخارجية. لم يعد خافياً، أن المجتمع الدولي سيراقب من قرب وعن كثب أفعال الحكومة يومياً. أي خطأ ترتكبه سيسجل فاول في خانتها. من دون أي مبالغة حالياً، المجتمع الدولي يلوّح بـالبطاقة الصفراء في وجه الحكومة، وهو مستعد لرفع البطاقة الحمراء. أي خطوة ناقصة، تشكل سبباً لاطلاق صفارة الحكم وصرخات الجمهور.
كيفية إدارة الرئيس ميقاتي للحكومة أمام استحقاق المحكمة الدولية تشكل مواجهة يومية له أمام المجتمع الدولي. ربما نجح في إخراج نفسه من المأزق بالعثور على صيغة الاحترام بدلاً من الالتزام. المشكلة في ترجمة هذا الاحترام وتنفيذه.
هذه الرقابة المزدوجة الداخلية والخارجية معاً على الحكومة الحائزة على الثقة البرلمانية تربك أقوى الحكومات، فكيف بهذه الحكومة التي ولدت بنصف ثقة شعبية؟
الطريقة التي شكلت فيها الحكومة بعد الانقلاب الدستوري، جعلتها مرتبطة مباشرة بالوضع في دمشق. في الماضي كان مصير الحكومات مرتبطاً بإرادة دمشق. الآن مصير الحكومة الحالية مرتبط بمصير دمشق.
مهما كابر رئيس الحكومة وأركانها، فإن الزلزال الذي تعيشه سوريا، يعيش لبنان ارتداداته يومياً. الحسم حالياً خطأ قاتل. كل الاحتمالات ممكنة، سواء نجح الأسد في إصلاح النظام والدخول في مرحلة التعددية السياسية والحزبية ونهاية حالة الأسد الى الأبد، أو اضطر للرضوخ لمطالب فئة من السوريين اليوم، وغداً السوريين، بترك السلطة، فإن دمشق أخرى تعني لبنان آخر. لا يمكن لقوى 8 آذار خصوصاً حزب الله التصرف في لبنان وكأن شيئاً لم يحدث أمامهم. إنجاز انقلاب غير دستوري قاتل لهم ولكل لبنان أو القبول بتغيير حركتهم وسلوكهم السياسي والخروج من حالة تخوين الآخرين والتوجه نحو الشراكة الحقيقية وما تفرزه صناديق الاقتراع، لاحقاً، على أساس قانون انتخابي متطور ومتناسب مع تطلعات كل مكونات المجتمع اللبناني.
دمشق عاصمة الممانعة والمقاومة لم تعد قادرة على المحافظة على نفسها في وجه خرق مباشر وعلني لسيادتها حسب كل التوصيفات، نتيجة لإقتحام سفيرَي واشنطن وباريس الحواجز العسكرية وأرتال الدبابات ودخول مدينة حماه وتمضية الليل بين أهلها والحوار مع معارضين يطالبون بإسقاط النظام. السيادة الانسانية تجاوزت السيادة الوطنية. لم يعد مقبولاً دولياً ضرب المدنيين وقتلهم مهما كانت قوة خطاب النظام عن وجود مسلحين ومخرّبين. السفيران الأميركي والفرنسي حميا مدينة حماه وسكانها من تجربة دموية جديدة وفي الوقت نفسه دفعا النظام نحو مراجعة نفسه وخططه.
سوريا بعد واقعة حماه أمس مختلفة عما سبقها. ربيع آخر بدأ يتشكّل.
هذه الحادثة وربما غيرها مستقبلاً يجب أن تدفع جميع القوى اللبنانية الى مراجعة حساباتها. لا يعني ذلك أن خرق سيادة لبنان مسموحة أو ممكنة. ولكن يجب الأخذ بالمتغيرات الحاصلة والقادمة.
مرة أخرى، المصالحة مع الذات ومن ثمّ مع الآخرين الآن تشكل مركب الخلاص للجميع.
حتى لا تتكرر قصة تأخر بن علي ومبارك عن القطار الشعبي، على الآخرين أن يصعدوا في القطار الآن قبل وقوع الزلزال الكبير.
[email protected]

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00