8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

أمام لبنان فرصة للمعالجة قبل الزلزال

اللبنانيون، شعوباً وطوائف وقوى وأحزاب وحركات، لا يدركون حتى الآن، على أي حافة انحدار وانزلاق يقفون. وقفوا طوال عقود مرات عديدة على حافة الانهيار، ونجوا. هذه المرّة الفارق كبير جداً. في زمن ثورات الربيع العربي، وفي زمن من الواضح والثابت تغيير الخرائط فيه ورسم خرائط جديدة حيث تزول فيه دول وتولد فيه دول جديدة، فإنّ الأمر مختلف جداً.
بتر جزء من العالم العربي، إن لم يكن من منطقة الشرق الاوسط، مرّ الأمر وكأنه صداع خفيف. اقتطع جزء عزيز من السودان وأصبح السودان سودانان، وكأنّ شيئاً لم يحدث. أكثر من برقيات الاعتراف التي فرضتها المصالح ومواقف الدول الكبرى، لم تهتز ورقة من المحيط إلى الخليج. عملية البتر للسودان، جرى التحضير لها طوال سنوات. من الممكن والجائز الحديث مطولاً عن المؤامرات التي حيكت ضدّ السودان، من واشنطن ومجلس الكنائس العالمي. ومن إسرائيل، لكن يجب الاعتراف أولاً وقبل أي شيء آخر أنّ المتآمر الكبير على السودان سودانيون. جعفر النميري أحد هؤلاء الذين لم يتوانوا عن بيع الفلاشا لإسرائيل للحصول على الرضى والمال. الأهم والأبرز عمر البشير وإسلامييه الذين باعوا السودان في سوق الإرهاب في زمن الحرب العالمية الثالثة ضدّ الإرهاب. عمر البشير اليوم يريد أن يتابع مع إسلامييه حكم السودان المبتور وكأنّ شيئاً لم يكن. كأنّه لم يتنازل عن جزء من السودان طلباً منه للبقاء في السلطة. عمر البشير ليس وحيد زمانه في النظام العربي. سبقه حسني مبارك عندما تخلى عن دور مصر طلباً منه لتوريث ابنه جمال السلطة معتقداً أنّه يحق للفرعون ما لا يحق لغيره. طالما انّ العملية نجحت في مواقع أخرى ومنها سوريا فلماذا لا تنجح في مصر؟ لو أنّ مصر كانت موجودة قوّة ودوراً فاعلاً لتغيّرت الأمور، قد لا تمنع عملية البتر التي هُيِّأت لها الأرض منذ الاستعمار البريطاني، لكن على الأقل كانت غيّرت الكثير من المعادلات القديمة التي خربت المنطقة. دور مصر الجديد هو في وقف عمليات البتر التي يتم تحضيرها لدارفور وايبين والنوبة من السودان الباقي.
تقسيم السودان، بداية وليس نهاية. بعد إعلان جمهورية جنوب السودان، سيتم استسهال القطع والوصل ورسم خرائط جديدة تمتد على مساحة الشرق الأوسط الكبير والقارة الافريقية. قد يُقال إنّ لبنان أصغر من أن يُقسَّم وأكبر من أن يُبتلع. وقد يكون في ذلك شيء من الصحة، ولكن ماذا عندما يشهر اللبنانيون عن سابق تصوّر وتصميم سكين الهاريكري ويضعونها على بطنهم ولا يرف لهم جفن من هول المسؤولية التي يقدمون عليها؟
لبنان اليوم محاصر من جميع الجهات الجغرافية والسياسية. لبنان الذي لم ينه تحرير أرضه بعد، مهدّد بمواجهة أكبر مع إسرائيل حول حقوقه من النفط والغاز. لبنان مهدّد في استقراره، لأنّه جرى ربط مصير طائفة بكاملها بعجلة العدالة مع ان لا أحد حتى ولو كان يرغب أو يطمح ضمناً بذلك، يمكنه تحقيقه. لا توجد ديمومة لطائفة في لبنان. الطوائف كلها مهما بلغت درجة تباغضها وتزاحمها وتنافسها محكومة بالتعايش معاً. أول مدماك لهذا التعايش، عدم تجاهل طائفة لوجود الأخرى، من السلطة إلى الاقتصاد.
لبنان ايضاً يعيش على وقع ترددات الزلزال السوري. إنّه الأخطر في تاريخ سوريا ولبنان والمنطقة. أمام الانتفاضات والثورات الشعبية لا توجد حلول مسبقة، أو مرسومة تطبق. المفاجآت في حالة مثل هذه الحالة هي الثابت والباقي متغيرات. يستطيع الرئيس بشار الأسد أن يقول بأنّه فكك الحصار عليه قبل سنوات ببراعة وفوز عظيمين. قدرة الأسد من خلال موقع سوريا في كل المواقع الساخنة والحساسة، زائد الارث الكبير الذي تركه له الأسد - الأب في إدارة هذه المواقع، حقق له الانتصار الكبير، لذلك يمكنه اليوم وغداً الانتصار وإعادة صياغة السلطة وسوريا على قياسه، انتهى ذلك الزمن.
الانتصار ممنوع عليه. قاعدة خذ واعط اليوم هي الأساس. عليه مواجهة الواقع وهو أن يقايض من كيسه وليس من كيس غيره كما في الماضي أو يرحل. ما يصيب سوريا لا بد أن يصيب لبنان. فارق كبير بين إدارة إرث ضخم ومواجهة زلزال شعبي له كل أسبابه الطبيعية والموجبة والضرورية لحصوله.سوريا لن تحكم اليوم وغداً كما حكمت طوال أربعة عقود. في زمن انكسرت فيه السيادة الوطنية أمام السيادة الإنسانية تغيرت قواعد كثيرة. قبلها انكسرت هذه السيادة من أجل بقاء النظام واستقوائه على المنطقة، عندما شطب في ليلة واحدة رمزاً من رموز هذا الوطن وهو اللواء السليب. مهما حاول الأسد والنظام معه العودة إلى الماضي، فإنّ اتفاقية أضنه ستبقى مسماراً في قلب إدارة إرث السلطة.
يقال اليوم، ان الرئيس بشار الأسد، استوعب المتغيرات وانه أدرك بأن زمن الأسد إلى الأبد قد انتهى. يجب الكثير من الأفعال وليس الأقوال للأخذ بذلك. عندما ذهب سعد الحريري إلى دمشق، تاركاً في بيروت خمس سنوات من الاتهامات لدمشق باغتيال والده، كان يقدم بذلك على تضحية عظمى وسامية بجميع المقاييس من أجل لبنان. لكن ما جرى بعد ذلك من أحداث يؤكد ان التعامل مع هذه التضحية أتى من وارث يريد الثأر لما يعتقد انه انتزع منه وليس من رجل دولة وقائد تبدو أبواب التاريخ مفتوحة أمامه. كان يمكن للبنان أن يدخل مرحلة جديدة من الاستقرار وبناء علاقة اخوية مميزة مع سوريا، لكن سياسة وحدة المسار والمصير بقيت المسار الوحيد للتعامل مع لبنان.
مفاعيل الربيع العربي بدأت تزهر في دمشق. حتى لو بقي الأسد في السلطة فإنّ كل شيء تغير. مجرد أن يعترف ابن درعا نائب الرئيس فاروق الشرع بأن ما سينتج من طاولة الحوار نظام ديموقراطي تعددي معنى ذلك أن رياح التغيير بدأت تعصف بسوريا. الباقي متروك للشعب السوري، وحده هو صاحب القرار النهائي. للمرة الألف وربما المليون، أمام لبنان واللبنانيين فرصة للمصالحة حيث لا غلبة لأحد على أحد، فاقتنصوها.

[email protected]

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00