8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

قراءة هادئة على حافة بركان هادر

سوريا، تتغير. سوريا اليوم ليست كما كانت بالأمس. غداً لن تكون كما كانت في الماضي، ولا في الحاضر. مهما حدث، لن تعود الى الوراء. كيفما جاء الحل، سواء بسلام وتوقف نزف الدم، أم بمزيد من الجراح وتعميق الأحقاد، لن تعود سوريا الى الوراء. انها تتغير بسرعة من حال الى حال. جدران كثيرة، بعضها حجب نور الشمس والحقيقة، انهارت. سقط الخوف. الصمت. الرضوخ. الخنوع. الانقياد. الشعارات الفضفاضة والممارسات المعاكسة لها. سوريا اليوم، بركان هادر. من الضروري أكثر من أي وقت مضى، رسم خريطة طريق، واقعية وشفافة بقراءة هادئة ولو على حافة بركان هادر.
المثقفون والفنانون، الذين تظاهروا ليلة الخميس في دمشق. لم يكونوا مدججين بالأسلحة ولا باللحى. كانوا ينشدون النشيد الوطني، ويهتفون لسوريا وللحرية. رغم ذلك قمعوا بقسوة ان لم يكن أكثر، وألقي القبض على نصفهم. وما زال النظام يعلن ليل نهار أنه يطلب الحوار. البعض يقول إن الحادثة أثبتت وجود عدة أصوات داخل النظام كما في المعارضة وأنه يمكن قراءة تفاصيل ذلك في الخريطة السياسية بكثير من التحفظ لكن بكثير من الانتباه.
[النظام الأسدي الذي كان صخرة واحدة في عهد الأسد ـ الأب، يظهر اليوم موزعاً على كتلتين أساسيتين تتشكلان بسرعة تحت ضغط البركان الشعبي الهادر.
الكتلة الأولى، الأمنية المعارضة بقوة للتغيير والإصلاح. هذه الكتلة ترى أن التقدم خطوة واحدة على طريق تنفيذ مطالب الشارع تعني الانزلاق بسرعة في مسار لا ينتهي إلا بنهاية النظام. الأفضل والأسلم المقاومة والممانعة حتى ولو كانت الكلفة باهظة شعبياً ودولياً. السلامة أولاً، وإعادة تسوية العلاقات ثانياً. هذه الكتلة لا تريد القبول بأن الزمن قد تغير. وان ما كان ممكناً في الثمانينات من القرن الماضي، لم يعد مقبولاً ولا مسموحاً، في العقد الثاني من القرن الواحد والعشرين. هذه الكتلة تستعيد نفسها وكل وسائلها. وقد وصل بها الأمر الى إعادة الضباط المتقاعدين أثناء الثمانينات الى الخدمة للاستفادة من خبراتهم. أكثر من ذلك أن الشبيحة تحولوا في وقت قصير جسماً منظماً مدرباً ومسلحاً مماثلاً الى حد التطابق مع الباسيج في إيران وإن بأعداد أقل لأنه يقتصر على لون طائفي معين في معظمه.
الكتلة الثانية، وهي الإصلاحية تحت سقف النظام. أبرز وجوهها حتى الآن نائب الرئيس فاروق الشرع وبثينة شعبان مستشارة الرئيس بشار الأسد. مشكلة هذه الكتلة التي تجد لها جذوراً في أوساط مدنية عديدة داخل النظام، أنه لها حق الكلام وليس حق القرار.
يبقى الرئيس بشار الأسد الذي يحاول الإمساك بالعصا من وسطها. لكن كما يبدو يتعرض لضغوط ضخمة تبدأ من الكتلة الأمنية لتصل (أو العكس صحيح) الى العائلة والطائفة معاً. المؤيدون له أو الذين ما زالوا يأملون منه عملاً ايجابياً، يرون أن حادثة قمع المثقفين والفنانين، أو ضرب شقيق هيثم المانع أو اعتقال عدد من المدعوين عشية الحوار تؤكد عملية وضع العصا في دولاب الرئيس. الواقع لا أحد يمكنه الحسم حول دقة هذا التوصيف هل هو واقعي أو أنه عملية تجميل لترك الباب مفتوحاً أمامه للحوار والحل معاً مستقبلاً.
أما المعارضات فإن قديمها من الأحزاب إما خارج الزمن أو خارج المعادلة. وهي تحاول جاهدة الصعود في القطار دون نجاح حتى الآن، لأنها تدجنت وترهلت خلال العقود الماضية. الباقي على النحو التالي:
[مثقفون وفنانون وسياسيون بعدهم وطني. عرف العديد منهم مظالم السجون وقانون الطوارئ قد يكون حضور بعضهم رمزياً لكن بالتأكيد هذا الحضور مؤثر ومجيش.
[معارضات الخارج وبعضها معروف جداً وهو يزداد يوماً بعد يوم صلابة من خلال رفع سقف مواقفه الوطنية. تعمل هذه القوى على تنظيم نفسها ويلزمها كما في الداخل المزيد من الوقت لبلورة صيغة بناءة ومنظمة تستطيع مع الداخل إحداث التغيير.
[القوى الإسلامية من اخوان مسلمين وسلفيين. حجمها الإعلامي أكبر بكثير من الواقع. خصوصاً السلفيين منهم، الذين يرعبون أكثر مما يجمعون ويحرضون. المجتمع المدني يخاف منهم أكثر من النظام الذي يستخدمهم فزاعة للآخرين. تلفزيون العرعور مثلاً يقدم خدمات لا تُثمن للنظام بكل المقاييس، أما الاخوان المسلمين، فإن ثلاثة عقود من القمع الدموي والمنظم والعزل الكامل لهم قد شتتهم الى درجة الإلغاء. الاخوان المسلمين في سوريا ليسوا على مثال الاخوان في مصر، الذين بقوا ناشطين وكان لهم أعضاء في مجلس الشعب في حين انه في سوريا كانت العقوبة الاعدام. أما تحول يوم الجمعة الى يوم للحشد والجوامع أرضاً للدعوة، فلأنه لم يعد يوجد من مكان مفتوح غيرها. بذلك فإن الجمعة والجوامع هما نقطة تقاطع وليسا مكاناً سياسياً لقوى سياسية ملتزمة بمفاعيلها.
[تبقى القوى الصاعدة من الشارع، المتجمعة في التنسيقيات. الشباب في سوريا كما في مصر يتآلفون ويشكلون التنسيقيات. التي تقود الشارع وتحركاته. وهي تنضج على نار المواجهات، وهي بدون مرجعيات سياسية وايديولوجية واضحة. لذلك لا يمكن تحديد وجهاتها مسبقاً.
عاملان وراء ظهور هذه التنسيقيات في سوريا كما في مصر، التصحير السياسي وتجفيف العمل الحزبي خارج قلعة النظام وأقبيته من جهة، ودخول الشباب من جهة ثانية، عصر المعلوماتية والقدرة على التواصل مع بعضهم البعض ومع الخارج.
ما زال أمام سوريا عبور مسافة طويلة للخروج من الماضي الى المستقبل. السوريون خصوصاً الشباب والمثقفين والفنانين قادرون على الكثير.
من الافضل للآخرين كما قال وليد جنبلاط: الجلوس على ضفة النهر وانتظار جثة عدوك تطفو أمامك.

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00