أضاع الرئيس بشار الأسد الكثير من الفرص والوقت. إمساك الأسد العصا من وسطها، في وقت مطلوب فيه الحسم، أغرق شرط الثقة الشعبية في بحر من الشكوك اليومية. لا يمكن الجمع بين الحلين الأمني والسياسي معاً. مثلما أنه لا يمكن الجمع بين الماء والنار معاً. سقوط الخوف يحول دون استثمار الحل الأمني في صياغة حل سياسي مقبول ولو على مضض، أو لاستحالة الاختيار لانهاء الأزمة. لا يهم إذا كان الأسد غير قادر أو أنه لا يريد، المهم النتيجة، وهي ليست لمصلحة النظام. حتى الآن، الحل السياسي المتضمن تنفيذ الإصلاحات وليس الكلام عنها وتحويل النظام نظاماً تعددياً، مدة ولاية الرئيس فيه محددة، والإعلام فيه حيز مفتوح ومنفتح على جميع مكونات الشعب السوري، وتخلي حزب البعث الميت ـ الحي عن قيادته، يجب تنفيذها بسرعة. تصغير سن الرئيس حتى يتمكن بشار الأسد من وراثة والده الرئيس الراحل حافظ الأسد جرى في جلسة علنية يتيمة لمجلس الشعب. لماذا هذا التأجيل للتأجيل، وتعريض سوريا لخطر الانفجار؟
الأيام العشرة القادمة حساسة جداً. بعدها يبدأ العد العكسي مع الدخول في شهر رمضان. يعترف النظام سراً وعلانية أن الخطر سيكون عالياً وبالغاً، تحويل حمص الى حماه ثانية لن يحل شيئاً. بالعكس سيدفع السوريين والمجتمع الدولي معاً لليأس نهائياً من الرئيس بشار الأسد وقدرته على التغيير أو الإصلاح. الكلفة ستكون عالية جداً للجميع. اليأس من الحل السياسي، سيدفع الجميع للمخاطرة والقبول بالثمن.
ما زال النظام في دمشق يأمل تشكيل منظومة اقليمية من جامعة الدول العربية وتركيا وإيران وربما مجموعات أخرى لتشكيل رافعة تساعده على النهوض. اليد الواحدة لا تصفق المطلوب أن تكون اليد السورية ممدودة ومستعدة للتصفيق بكل ما تقتضي هذه العملية من شروط وإرادة. نشاط أمين عام جامعة الدول العربية الجديد نبيل العربي لا يكفي. سواء ألغى أو أجّل داوود أوغلو وزير الخارجية التركي، زيارته لدمشق، بعد أن جال على القاهرة وبنغازي والرياض وطهران، فإن ذلك يطرح علامة استفهام كبيرة.
لو كانت السكة مفتوحة مع دمشق لجاء الأمر مختلفاً خصوصاً ان السرعة مطلوبة. سؤال كبير: هل الاتفاق بين طهران وأنقرة حول الحل في سوريا لم يكتمل أم لم يتوافر؟
تركيا، ترى ضرورة اصغاء النظام لمطالب الشعب واحترامها. دمشق ما زالت تعتبر أن أنقرة تعمل ضدها رغم انها لم تقل حتى الآن انها تؤيد إسقاط النظام، رغم احتضانها لمؤتمر أو أكثر للمعارضة السورية، أنقرة تعمل بالتنسيق مع الحلف الأطلسي وخصوصاً واشنطن. لأنقرة مصلحة قومية مباشرة بالحل في سوريا. انفجار البركان السوري نهائياً، يدخلها في دوامة الفصل بين ما يجري عند جارتها وحدودها وتركيبتها الفسيفسائية من أتراك وأكراد وعلويين. أنقرة لن تسمح بنشوب حرب أهلية ـ طائفية في سوريا. في الوقت نفسه لن تقبل أي حل.
لن تقبل أنقرة بقاء النظام كما كان ولا حتى بنصف إصلاحات تغيّر في الشكل وتبقي على المضمون، لا يمكن القبول بإبقاء آلاف السجناء السياسيين في السجون والقول إن قانون الطوارئ ألغي. انتهى زمن اللعب على الكلام. حان وقت الأفعال.
أهمية الموقف التركي أنه يستند الى تجربة ديموقراطية قوية تتجذر يومياً. تعديل الدستور يجري بما يتوافق وطموحات الشعب التركي. القرار الأحادي والفردي ممنوع في تركيا الحديثة. لا يمكن لزعامة رجب طيب أردوغان الاستثنائية في قوتها وشعبيتها أن تقرر بدلاً عن الشعب التركي. هذه هي الديموقراطية.
طهران تتحرك وهي قلقة على حليفها الكبير الرئيس بشار الأسد. طهران محشورة جداً بين عدم قدرتها على إنكار حق الشعب السوري في طلب الحرية وخوفها من الحصار ودفعها للانكفاء إذا وقع الزلزال في سوريا. محاولة دمشق التلويح بالعصا الإيرانية ضدّ تركيا فشلت. لا يوجد أحد في الجمهورية الإسلامية في إيران يقبل الحرب مع تركيا أساساً وضد الحلف الأطلسي لاحقاً. الأسباب تاريخية وحتى وجودية. البديل كان في القول إنّ المرشد آية الله علي خامنئي أمر بصرف نحو ستة مليارات دولار لسوريا لانجادها. يستطيع المرشد أن يصدر أمراً وحده دون العودة إلى أحد. هذه هي نتيجة الولاية المطلقة. لكن المرشد وأركان النظام يعرفون ان الشرخ الناتج عن انتخاب أحمدي نجاد رئيساً لولاية ثانية قد أصبح متعدداً، وأن رياح الثورات العربية تهب بقوة، وإيران جزء من المنطقة خاضعة لمفاعيلها. تحويل مثل هذا المبلغ لسوريا في ظل الأزمة الاقتصادية يعني وضع إيران كلها فوق صفيح ساخن. دمشق تولت نفي الخبر، ربما لأنها هي التي صنعته، لتغطية الأزمة الاقتصادية بالوعود ولو الوهمية.
حالياً توزع دمشق الأحلام بأن طهران قدمت للأميركيين البقاء في العراق بأمان هدية. وانها قبلت تسليم الأميركيين جنوب افغانستان لـطالبان تسهيلاً لانسحابهم. الدليل ارتفاع منسوب القتلى الأميركيين في العراق وافغانستان على طريق تذليل العقبات الأخيرة. الثمن ضخم جداً حتى ولو كان البديل ضمان أمن واستقرار نظام قَبِلَ بالإصلاحات في دمشق. مثل هذا الحل يضع إيران على المدى الطويل بين فكي كماشة الأميركيين والطالبان. من الصعب التصديق بأنّ طهران مستعدة لذلك.
مهما دفع الآخرون لحماية الرئيس بشار الأسد والنظام في سوريا، تبقى المشكلة مع الشعب السوري. هذا الشعب لن يقبل الخروج من المواجهة وكأنّ شيئاً لم يكن. السؤال هل الرئيس بشار الأسد قرر أن يحسم موقفه وبأي اتجاه؟ رمضان يقترب!
[email protected]
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.