8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

الثورة وعقم الحل الأمني

جمعة أحفاد خالد بن الوليد، تؤكد أن محاولة فتح نظام الرئيس بشار الأسد صفحة جديدة، متأخرة جداً. لا يمكن لحزب البعث، أن يشد عضلاته مهما بذل من جهود. لأنه ميت ـ حي منذ عقود. ما يقوم به النظام لتحقيق بعض المكاسب على الشارع عبر إعلان بعض الإصلاحات ليس أكثر من عملية ترميم كان يجب أن تُنفذ قبل 11 عاماً، عندما ألقى الرئيس ـ الوريث خطاب القسم ووعد بالربيع، فإذا بالسنوات تمر ولا تشهد سوى فصل واحد هو شتاء قارس داخلياً، ولعب بارع بلا رحمة وبدم بارد في كل الملفات من فلسطين ولبنان وصولاً الى العراق الجريح.
نظام الرئيس بشار الأسد المركب وليس الأحادي المطلق، يعمل على تطوير استراتيجية تمكنه من البقاء والصمود لأشهر ثلاثة يفقد خلالها الشارع السوري زخمه، والمجتمع الدولي نبضه وتضامنه، فيعود قوياً، الجميع بحاجة له. ما يقوي عزيمة هذا النظام أن المعارضة ما زالت معارضات بلا هيكلية ولا خطة ولا مشروع سياسي واحد. لا يعرف النظام السوري أن قوة المعارضة حتى الآن أنها ما زالت جسماً بلا رأس، يمكن القضاء عليها بمجرد قطع رأسها كما حصل طوال العقود الماضية. تجربة الثمانينات خصوصاً في حماه خير دليل على ذلك. لا يمكن لهذه المعارضات إلا أن تجد لنفسها هيكلية معينة لأن الشارع أكبر وأقوى منها. التنسيقيات التي تقود الشارع قادرة على لعب دور أساسي ورئيسي في ذلك. هذا ثابت في الثورات، وما يجري في سوريا وكما اعترف وليد جنبلاط هو ثورة.
السباق بين الحليف الأمني والسياسي المستمر منذ أسابيع، يبدو وكأن النظام في دمشق حسمه لمصلحة الأول على أمل أن يُشكل هذا الجسم مدخلاً لإقرار وتنفيذ حل سياسي على قياس النظام، أو كما يُقال تحت سقف الوطن، ويقدم الحل الأمني حسب المتابعين والعارفين بنوايا النظام على:
[ تحويل كل مدينة وكل قرية وكل حي الى جزيرة أمنية يتم التعامل معها على حدة، بكل قوة وبسرعة ومن دون تقدير للخسائر البشرية والنفسية. والعمل على خلق شرخ بين السكان أنفسهم، إذ إن قطع الماء والكهرباء ومنعهم من الخروج للتزود حتى بحليب الأطفال والخبز، يهدف الى تأليب الناس على بعضهم بعضاً. لكن هذه السياسة تنجح مرة ومرتين لكن على المدى الطويل تنقلب النقمة ضده.
[ محاصرة أرياف المدن لمنع محاصرة هذه الأرياف للمدن. وذلك كما يحدث مع دمشق والتي يعمل النظام على ضرب ريفها في دوما واربين وسقبا وداريا والمعظمية وقطنا لوأد الانتفاضة في الشارع. لكن ظهور أول مظاهرة في المزة في جمعة أحفاد خالد تؤكد أن تمدد المعارضة وإن كان بطيئاً أحياناً إلا أنه ثابت.
[ التعامل مع كل مدينة وكأنها حالة خاصة. من ذلك يتم ترك حماه وكأنها جزيرة لا يتم الإبحار أمنياً اليها. علماً أن التنسيقيات فيها هي التي نجحت في نزع الحجة الأمنية من يد النظام نتيجة لخطة مدروسة ومنفذة ببراعة، كما تجري محاولة لشراء رضا عائلات حماه التي قُهرت وصُودرت أملاكها وأموالها في الثمانينات لكن خروج مئات الآلاف في تظاهرة الجمعة يؤكد أن لا شيء ينتزع الذاكرة الشعبية.
[ محاولة إقناع المجتمع الدولي أن النظام قادر على الإصلاح وأن المسألة مسألة وقت لذلك يجب تخفيف الضغوط عليه.
رغم وجود هذه الاستراتيجية لدى نظام الأسد وغياب استراتيجية قوية البنيان للمعارضة فإن الشارع هو الذي يقرر ويقود، وكل ما يجري ينبئ بالفشل. يوم الجمعة القادم هو الأخير قبل شهر رمضان. طوال أربعة أسابيع سيكون كل يوم في رمضان يوم جمعة. لا يمكن للنظام الأمني تحديد يوم محدد ولا ساعة محددة لخروج المصلين من الجوامع. كل صلاة ستكون على قياس صلاة الجمعة. فماذا ستفعل الآلة الأمنية هل ستنشر الفرقة الرابعة في كل سوريا؟ من المؤكد أنها غير قادرة واللعب على وحدة الجيش قرار خطير جداً.
مثلما سقطت الثقة بين الشارع والنظام، فإن الثقة تلاشت بين المجتمع الدولي والنظام. الأسوأ بالنسبة لدمشق، علاقاتها بـ العائلة العربية. كل يوم يتقدم فيه الحل الأمني خطوة الى الأمام يتراجع تردد بعض العرب في موقفهم من النظام خطوات الى الوراء. دول عربية عدة ومنها خليجية أبلغت دمشق أنها لن تستطيع الصمت ولا التحفظ كما تفعل الآن إذا فتحت أبواب المدن الكبرى أمام الآلة الأمنية، الإحراج بالنسبة لها سيكون ضخماً جداً خصوصاً في شهر رمضان. لا شك أن سحب قطر لسفيرها من دمشق يشكل رسالة سياسية قاسية جداً تؤكد انهيار الجسور معها، وقطر مسموعة اليوم من شقيقاتها.
يبقى أن موقف تركيا، خصوصاً بعد تكرار تأجيل وزير الخارجية داود أوغلو زيارته لدمشق وكلام وليد المعلم الأخير، يؤكد أنه لم يبقَ بين أنقرة ودمشق سوى شعرة معاوية، وأن أي انفجار في رمضان يقطعها. أخيراً فإن المجتمع الدولي الذي يتم تهديده بتفجير المنطقة وإشعال حرب طائفية في لبنان، سيندفع الى الأمام مع الشارع السوري لبلورة موقف نهائي منه، خصوصاً وأنه ليس أمام دول هذا المجتمع ولو من باب المحافظة على مصالحها سوى التحالف مع المستقبل العربي حيث المستقبل للحرية والنهضة والمجتمع المدني..

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00