مارون الراس. الأحد 24 تموز. الحديقة الإيرانية، التي أصبحت حدائق. تمددت من راس التلة نزولاً الى أقرب نقطة من الأسلاك الشائكة. غياب الدولة فتح هذا التمدد من الطبيعة الى الناس. مئات العائلات الجنوبية والوافدة من أنحاء لبنان، تمضي الأحد بفرح وهي تطل على فلسطين. الأولاد بالمئات يلعبون براحة ويصعدون الأبراج الملونة بألوان الحرب والتخفي رغم انها مكشوفة من عشرات الكيلومترات. حول الحدائق نبتت عشرات المنازل والفيلات وحتى القصور. جميعها تحت مرمى القناصة الإسرائيليين، فكيف بالدبابات كما حصل في تموز 2006؟ لماذا هذا الإسراف في الانفاق حتى التبذير في موقع بينه وبين الرصاصة والمدفع، أمر يومي يعلن الحرب فجأة وبلا انذار؟ لا أحد لديه اجابة واضحة، ربما هي نوع من القدرية، أكثر مما هي ثقة زائدة بالنفس، خصوصاً وأن أكثرهم يدرك ضمناً أن أموال الحلال وغير الحلال، لن تكون مضمونة في أي حرب قادمة كما حصل غداة حرب تموز 2006.
بعض السكان في مارون الراس أو يارون وغيرهما يجيب على أي تساؤل يطرح، في مثل هذه الأيام من العام 2006 شهدت مارون الراس اعنف المعارك. صمود المقاتلين فاجأ الجميع حتى قيادتهم. لم تكن الأسباب متوافرة لمثل هذا الصمود. فقط الإرادة والايمان بالأرض دفع المقاتلين لكي يزرعوا أرجلهم في الصخور ولا يتراجعوا تحت ضغط ارتال الدبابات. أيضاً القدرية ممتزجة بقناعات واضحة وثابتة: نحن لن نشن الحرب من أجل أحد. نحن استشهاديون ولسنا انتحاريين. نحن كما الشعار المرفوع على الملصقات العملاقة: ان عدتم عدنا. الكلام مع صورة المقاتلين المتأهبين خلف المدفع موجهة للإسرائيلي. لا يريد الجنوبيون الغرق في كوابيس الحرب. أكثر من أي وقت مضى لا يرى الجنوبيون أنفسهم لحماً مدافعاً من أجل أي قضية غير قضيتهم، وهي العيش بسلام وكرامة وسيادة لا يتجاسر الإسرائيلي المس بها.
هذا الجنوبي الذي يتحصن مطمئناً وراء حدوده لا يعني أبداً أنه محصن ضد كل ما يحدث حوله. بالعكس ما يجري في العالم العربي خصوصاً في سوريا يقلقه. قبل شهرين كان الجنوبي يستهجن مجرد السؤال عن مستقبل النظام في سوريا. كان يعتبر السؤال استهدافاً لمقاومته. كان يرى كل ما يحصل مؤامرة على المقاومة والممانعة. اليوم اختلف الأمر. السؤال حول سوريا وما يجري فيها وحول مستقبل نظام الرئيس الأسد أصبح يواجه بسؤال ارتدادي: من هو البديل؟ الاخوان؟ السلفيون؟ القادمون من واشنطن وباريس؟
مجرد السؤال عن البديل وهويته، يعني أن الجنوب القلق بدأ يأخذ في حساباته مبدأ التغيير في سوريا. لم تعد التظاهرات في المدن والأرياف السورية بالنسبة له، نتاج مؤامرة خارجية تستهدف فقط كسر محور الممانعة والمقاومة. مشاهد قتل المتظاهرين العزل، وتعذيب وإهانة المعتقلين تثير ذاكرتهم وتدميها. لا يمكن للجنوبي كما يقول أن يقاتل من أجل حريته وسيادته وكرامته وان يخوض حروباً عديدة وان يحرمها على غيره!
الجنوبي مثل أي لبناني وحتى أي عربي، تأخذه حرارة الثورات وبراءتها، في الوقت نفسه يخاف عليها مشدداً ولا يمكن للقوى الكبرى الدولية والإقليمية ترك هذه الثورات تنضج على نار نضالها فقط. لهذه القوى مطابخها الخاصة التي تعمل هذه الأيام بقوة على نار مصالحها القوية.
المطابخ الدولية والإقليمية، تعمل على كل الجبهات، تحاول الحد من نمو الثورة في مصر ونضوجها الداخلي والخارجي معاً، لأنه لا يمكن الفصل بين السياستين الداخلية والخارجية. مصر القوية تعني سياسة خارجية صلبة وشاملة عربياً وأفريقياً. تعني باختصار عودة الدور لمصر. غياب مصر، وقيام محور الممانعة الذي تحول من زواج متعة بين دمشق وطهران الى زواج كامل العصمة فيه بيد الزوج الإيراني، هو الذي سمح لطهران وأنقرة العمل على ملء الفراغ. لا يعني ذلك رفض الدور التركي الايجابي. حتى الدور الإيراني إذا ما خرج من عقدة الممانعة ليصبح شاملاً مطلوباً.
أيضاً وهو مهم جداً، خروج سوريا بسرعة من حالة الثورة بأقل خسائر والتوجه نحو قيام الدولة الديموقراطية التعددية، تعني الخطوة الأولى والأساسية باتجاه بناء المجتمع القادر على اتخاذ قرار المواجهة وليس الاستمرار سجيناً في دائرة الممانعة من أجل خدمة بقاء النظام الأحادي. لو كانت سوريا ديموقراطية، وللشعب كلمة في رسم مسارات سياسته، لما قبل يوماً بشطب اللواء السليب بمعاهدة أضنة فقط لخدمة النظام وديمومة قوته، ولما قيل فجأة بحدود 1967 حدوداً لفلسطين فقط من أجل توجيه رسالة الى واشنطن وتل أبيب بأن النظام ما زال قادراً على اللعب بكل الأوراق في المنطقة.
اليوم، يشعر الجنوبي في ذكرى حرب تموز 2006 بالقلق على سوريا لأنه لا يعرف البديل لكن هذا القلق يجب الا يكون الشجرة التي تخفي غابة المطالب الشرعية والمشروعة للشعب السوري. وليد جنبلاط أصبح يتكلم عن الجرائم المرتكبة منذ درعا وضرورة محاكمة المجرمين. حان الوقت للجميع خصوصاً حزب الله لقراءة مختلفة عمادها الدخول في مسارات التغيير الخارجة من زمن الثورات العربية. أولى نتائجها الانفتاح على الداخل تحصيناً للذات حاضراً ومستقبلاً.
[email protected]
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.