الخوف من تداعيات الزلزال السوري على لبنان والمنطقة، جدي وعميق. الخوف الأكبر، لدى الكثيرين، سواء من اللبنانيين أو من الذين يحبون لبنان، هذه البرودة الزائدة في التعامل مع كرة النار التي لم تشهدها ولم تعشها المنطقة منذ عقود طويلة. لو كانت هذه البرودة نتاج تعامل عقلاني ومنطقي لاستيعاب الموقف والبناء على مقتضياته، لتم تفهمها، لا بل جرى تقديرها. لكن أن تكون نتاج الغرق في تفاصيل لعبة محلية ضيقة فإن ذلك يثير أكثر من الخوف، انه يثير الغضب.
نظام الرئيس بشار الأسد إن بقي لن يكون كما هو. لا يمكن القول عن أسد بأنياب كاملة كما عن أسد بلا أنياب، كذلك فإن التعامل معه مختلف حكماً، فكيف إذا لم يبق وجاء نظام آخر لم تتم حتى الآن وربما لفترة طويلة معرفة تركيبته وتفاصيله؟
لكن من الآن وحتى يحصل ما يجب أن يحصل، فإن للزمن مفاعيله ومن الطبيعي التحصن لمواجهته، خصوصاً انه عندما تكون اللعبة بين الكبار فالأفضل أن يحيّد الصغار أنفسهم حتى لا يدفعوا الثمن عن غيرهم. في بعض تفاصيل ذلك أن النظام الأسدي كما يرى من يعرفونه وخبروه وسمعوه مباشرة في الأسابيع القليلة الماضية لن يقبل بسهولة إزاحته أو حتى إضعافه، وهو ما زال يملك أوراقاً كثيرة خصوصاً في لبنان تجعله إذا ما حشر كثيراً أن ينفذ مقولة عليّ وعلى أعدائي يا رب. ما يعزز هذا الشعور أن الأسد سمع في الفترة الأخيرة كلاماً هادئاً حتى من متعاطفين معه حول ضرورة تقديمه تنازلات مؤلمة تطال أساساً الحلقة الأمنية المحيطة بالنظام، وأن لا تكون هذه التنازلات مجرد قرارات من نوع الصور الطيفية التي سرعان ما تتلاشى أمام الواقع المليء بالحركة على مثال ما يجري في هذه الفترة. من ذلك أن نقل الأسد لابن خالته من درعا، التي بدأت فيها الأحداث بسببه، الى موقع آخر، أكثر أو أقل أهمية. مثل هذا الحل لم يعد يجدي نفعاً لانه لا يقنع أحداً. المشكلة أن الأسد يرد على مطالبته بالاقدام على قرارات حاسمة تقنع ولا تلهي بأن الحريص علينا يجب أن يكون مطمئناً.
كان يمكن التعامل مع الوضع السوري بقلق ولكن من دون انفعال ولا خوف، لو لم يكن له جذوره وامتداداته في لبنان، بحيث يشكل كل ذلك كوكتيلاً حارقاً ومدمراً. من ذلك أن حزب الله وهو الطرف الأساسي والفاعل والمؤثر، حزب خائف في هذه الفترة مهما كابر. خوف الحزب ناجم في أساسه، تقديره للوضع السوري وإمكانية سقوط النظام الأسدي مع كل إنعكاسات ذلك عليه أساساً وعلى والده الشرعي والوحيد إيران.
لذلك من الضروري لدى التعامل مع حزب الله الخائف أخذ ذلك بالاعتبار لأنه يصبح أكثر تحفزاً وأكثر عدائية في الرد على الآخرين.
استكمالاً لذلك فإن خريطة الحالة اللبنانية تثبت أن المرحلة الميقاتية هي مرحلة لتقطيع الوقت، الى حين تبلور الوضع، وهذا لا علاقة له بشخص الرئيس نجيب ميقاتي ولا بظروف وحيثيات الانقلاب الدستوري الذي وقع وكان ضحيته الأولى اتفاق الدوحة، والعلاقات الطيبة التي كانت تربط دمشق بكل من الدوحة وباريس.
لذلك أي قراءة هادئة لما يجري تفرض العمل على تقطيع هذه المرحلة بأقل خسائر ممكنة. واستكمالاً لهذه القراءة والأخذ بتفاصيل موازين القوى، فإن حزب الله والمستقبل هما المعنيان الأساسيان في كل ما يجري وسيجري. بوضوح أكثر، إن الكرة في الملعب الشيعي ـ السني وليس لدى غيرهما من الطوائف. مهما علا صوت الجنرال ميشال عون فإنه يبقى عند التنفيذ تحت سقف الحزب. وضمن سياسة تقطيع الوقت فإن العمل على تحصين لبنان يجب أن يكون الشغل الشاغل لـحزب الله ولـالمستقبل معاً وفي سياق واحد، خصوصاً أن فعل الإلغاء غير قابل للتنفيذ في لبنان.
تقوم عملية التحصين الداخلي على جملة خطوات، منها الدخول في حوار شامل دون أولويات، مثل نزع سلاح حزب الله لأن هذا الشرط يبدو برأي الحزب سكيناً على رقبته في ظل الخطر الذي يتهدد النظام الأسدي. من الضروري بقاء بند نزع سلاح حزب الله لكن دون جعله شرطاً للحوار برأي القوى القلقة. الى جانب ذلك، يجب عدم الانجرار الى حقل الألغام الطائفي في لاسا، لأن البعض وخصوصاً الذين يريدون رفع درجة المخاطر لتبرير بقاء النظام في دمشق شراء حرب طائفية جديدة. ما يجري في لاسا هو العودة الى ما قبل العام 1939 في قطاع تسجيل الأراضي ومسحها ويمكن ان تمدد في مواقع أخرى من الجبل وغيره. وهذه المهمة ليست مهمة مارونية فقط ولا شيعية فقط وانما هي أيضاً ثلاثية أي سنية ـ شيعية ومسيحية مارونية. حقل الألغام في لاسا إذا انفجر فإن حقولاً أخرى ستتبعه.
لم يعد مطلب المصالحة مطلباً لاستقرار لبنان فقط. في أثناء الوقوف على حافة خط الزلزال السوري يصبح مسألة وجود. فهل من يسمع؟
[email protected]
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.