ما بعد حماه، غير ما قبلها. الرحلة إلى الجحيم تبدأ بانزلاقة محدودة لكنها تكون على المسار المطلوب. يذكر أهل النظام الأسدي في دمشق، ان الهجوم على حماه ما زال محدوداً ويقف عند بواباتها. الهجوم الحقيقي والحاسم بعد العاشر من رمضان، عندما ترفض المعارضة الإصلاحات الصادرة عن مجلس الشعب. رفض المعارضة، يفك قيود النظام الذي كأنه بحاجة إلى أعذار بعد رواياته الخيالية لتبرير دك بوابات حماه بمدافع الدبابات والرشاشات. أهل النظام الأسدي أعلنوا بتصميم أنه لا يجب المراهنة على الحصان الخاسر. أي سقوط النظام الأسدي لأنه باقٍ إلى الأبد. يتغافل هؤلاء عن ما يريده السوريون وعن قاعدة أساسية وهي انّ الدم يستسقي الدم. وأنّه متى سدّت الأبواب أمام الحل السياسي، تستمر المواجهة حتى يغرق السيف بالدم.
لا أحد يريد أن تنزلق سوريا نحو الجحيم. لكن عندما يضع النظام السوريين أمام خيار واحد لا خيارين هو الموت أو الموت فإنّ خيار الموت بكرامة سيكون الأفضل. أهل النظام الأسدي يقولون إنه يملك أوراقاً داخلية وخارجية تكفي لانقاذ النظام أكثر من مرّة. جردة الحساب البسيطة لهذه الأوراق مفيدة وإن كانت مؤلمة لأنها تصدر عن نظام أنا وبعدي الطوفان.
[ تنفيذ الحل الأمني حتى النهاية حتى ولو سقط عشرة أو خمسة عشر ألف قتيل. المهم وأد المعارضة لعشرين سنة أخرى يكون حينها حافظ بشار حافظ الأسد دخل مرحلة التدريب على السلطة.
[ فشل الحل الأمني، يتوّج بحرب أهلية طاحنة. الحسم فيها سيكون للفرقة الرابعة ورديفاتها الكاملة التسليح والتدريب لمواجهة هذا الاستحقاق وليس تحرير الجولان. الدليل أنّ باقي الفرق محدودة التسليح والتجهيز والتدريب وأحياناً حتى من الخبز.
[ تقسيم سوريا إلى دول وإمارات, أبرزها الدولة العلوية والدولة الكردية وإمارات إسلامية في قلب المنطقة، وليتحمّل الجميع ارتدادات هذا الزلزال المدمّر.
هذا على الصعيد الداخلي، أما خارجياً، فإنّ مقص التغيير يبدأ في سوريا ليطال الشرق الأوسط ومعه العالم.
من ذلك أنّ تقسيم سوريا سيبدأ بتقسيم تركيا. الأكراد جاهزون للانفصال والالتحاق بكردستان العراق أو العكس صحيح. العلويون الأتراك (أكثر من 15 مليوناً) يشكلون مع علويي سوريا دولة ساحلية مهمّة. تركيا تبقى للأتراك دولة ضعيفة لا قيمة لها، بهذا فإنّ النظام الأسدي هو الذي يهدّد وجود تركيا كلها وليس نظامها الأردوغاني. خوفاً من هكذا احتمال فإنّ واشنطن وأوروبا معها وطبعاً تركيا سيغضون الطرف عن المجازر لأشهر ثلاثة قادمة، مهما بلغ ضجيج التصريحات فإنّها ستبقى مجرّد شبكة دخان لإخفاء الواقع.
يتجاهل أهل النظام الأسدي أنّ الصورة لها مفعول السحر على الرأي العام الحاكم الأكبر في هذا العالم. حماه الأولى استشهدت بصمت بسبب غياب الصورة. قد يكون آب شهر عطلة في العالم، لكن المسؤولين لا يغيبون والعالم سيعود إلى الحياة في مطلع أيلول المقبل، أما بالنسبة للدول الشرق أوسطية بما فيها العربية الصامتة أو الداعمة سراً لـالنظام الأسدي، فإنّها لن تستطيع الحفاظ طويلاً على صمتها، لأنّ رياح الربيع هذا العام يختلط فيها صقيع الشتاء وقيظ الصيف.
أيضاً وهو مهم جداً، تقسيم المنطقة وتغيير خريطة العالم ووضعه على حافة حرب عالمية نووية لا يبدو ضمن المخططات. صحيح أنّ سوريا الأسد تستطيع تهديد السلام في المنطقة عبر إشعالها الحرب مع إسرائيل، لكن هذه الحرب ستكون ليس للعودة إلى لبنان وإنما للخروج من التاريخ. أيضاً انّ تقسيم تركيا ترجمته المباشرة، إسقاط خط الدفاع الأول والأخير عن الحلف الأطلسي وأوروبا. روسيا ستستولي على الجمهوريات الإسلامية او بعضها بدون مقاومة، ايضاً ستحول شواطئ الدولة العلوية المفترضة إلى قواعد عسكرية خصوصاً وأنّها موجودة حالياً على هذا الشاطئ في سوريا.
ارتدادات تقسيم تركيا ستطال حكماً إيران. أذربيجان تلتحق بالدولة التركية، وكردستان بالدولة الكردية الناشئة وبلوشستان بدولة بلوشستان الكبرى التي تجمع أراض من افغانستان وباكستان وربما خوزستان أو عربستان تلتحق بالعراق. هل تقبل إيران مثل هذا السيناريو القاتل. بالتأكيد لا وهي مستعدة للحرب ضدّه بكل الوسائل إلى درجة انها إذا خُيِّرت بين خسارتها لحليف استراتيجي مثل سوريا، وخسارة وجودها فإنّها حكماً ستختار الثاني لأنّ الوجود هو الدائم أما الحلفاء فإنّه يمكن صناعتهم مع تغير المعادلات.
تبقى مشكلة الشرق والشرقيين من النادر أن يعتمد الحل ب في المواجهات. دائماً يتم الرهان على الحل أو لا شيء. من ذلك أنّ قوى 14 آذار راهنت على صدور قرر المحكمة الدولية فوراً ولم يحصل ذلك مع كل استتباعات السنوات الخمس. كما أصرّت على استمرار سياسة جورج بوش وجاك شيراك فجاء باراك اوباما ونيكولا ساركوزي وقلبا كل المعادلات، وكان ما كان من عودة الأسد وإمساكه للقرار والانقلاب الدستوري الذي وقع.
حالياً يراهن أهل النظام الأسدي في لبنان خصوصاً حزب الله ان هذا النظام باقٍ إلى الأبد وسيتجاوز المرحلة ويعود أقوى مما كان. على الأقل يوجد احتمال 49 في المئة ان هذا النظام لن يبقى إما كما هو أو لغرقه بالحرب الأهلية أو لسقوطه. ألا يجدر بهذه القوى وتحديداً حزب الله أن تحسب حساباً وتضع أمامها الحل ب حتى لا تفاجأ فتضطر إما إلى إشعال الساحة وهي خاسرة لأنه لا يستطيع أن يلغي أي طرف في لبنان طرفاً آخر أو إلى تقديم تنازلات مؤلمة جداً.
مطلوب في هذه المرحلة أن تعيد كل الأطراف حساباتها بسرعة وحسم.
[email protected]
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.