رغم أنّ الحديث عن المذاهب والطوائف والموقف منها أو بعضها من بعض حالياً هو رجس شيطاني، إلاّ أنّه في الحالة اللبنانية يبقى أبغض الحلال، لأنّه لا يستقيم كلام، ولا يصل إلى مبتغاه، وإلى مَنْ يجب أن يصل إليه من دون الدخول في أزقّته ودهاليزه. انطلاقاً من ذلك، حان الوقت بعد أربعة أشهر ويزيد على الحدث السوري حتى لا يضيع النقاش حول ما إذا كان ما يجري هو ثورة أم مؤامرة أن يطرح السؤال بصوت عالٍ وهادئ، ماذا عن موقف الشيعة من الحدث السوري الذي يعنيهم مباشرة وربما أكثر من غيرهم من الطوائف والمذاهب اللبنانية؟
الكلام عن الموقف الشيعي يعني مباشرة حزب الله وحركة أمل، لأنّهما المؤطران الحقيقيان للشرائح الشيعية الواسعة، والمتحكمان بقوّة بكل مفاصل التوجّهات والوجهات والمسارات للطائفة الشيعية في هذا الزمن، وذلك بلا غلو ولا مكابرة. من الواضح حتى الآن أنّ موقفهما هو موقف الحليف المندمج مع النظام الأسدي بلا تردّد ولا مناقشة. العلاقة بين النظام الأسدي وحزب الله وأمل علاقة عضوية واستراتيجية، أدخل في صميمها أن ما يصيب هذا الطرف يصيب الآخر، وأنّ قوّة هذا الطرف من قوّة الآخر، لذلك بدا تصلّبهما في تأييد النظام الأسدي، والرفض المطلق لإمكانية اهتزازه فكيف بسقوطه أمراً مرفوضاً ومستهجناً وحتى مُداناً إلى درجة التخوين. لذلك فإنّ النقاش حول ما العمل إذا ما تغيّر النظام أو سقط معدوم طوال أكثر من مائة يوم على الحدث. الآن، بدأ الوضع يتغيّر، أصبح السؤال: إلى أين؟ وما العمل؟ شرعياً ومشروعاً، لكنه كما يبدو محصور إما بشرائح ضيّقة لا مكان لها في القرار، وإما في دوائر ضيّقة جداً خلف الجدران العازلة.
السؤال الذي يجب أن يصبح علناً وعالياً: ماذا يفعل الشيعة إذا تغيّر النظام الأسدي في دمشق وبقوا في مركبه إلى النهاية؟ هل فعلاً لا يعود لهم وجود؟.. أكثر من ذلك، هل يعني ذلك إلغاء الشيعة وجوداً سياسياً ودوراً كبيراً وازناً، كما يُشاع؟
لا شك أنّ صعود المقاومة وانتصاراتها على العدو الإسرائيلي، وصولاً إلى هذا الهدوء والسكون على جبهة الجنوب، قد حوّل فائض القوّة الذي يملكه الحزب وأمل إلى الداخل، وقد نجح فائض القوّة هذا في تحقيق مكاسب سياسية لهما وللشيعة معهما لم يكن متصوراً لهم ذلك في زمن المارونية السياسية والسنّية السياسية. ومن الطبيعي أن يتم استثمار هذا التفوّق إلى آخر مدى، خصوصاً أنّ الحلف القائم مع دمشق الأسدية المتحالفة مع إيران الإسلامية، شكّل قوّة دفع استثنائية لهذا الصعود.
حتى لا تقع المفاجأة ويضطر الحزب ومعه حركة أمل إلى الانكفاء نحو الداخل والدخول في امتحان قوّة جديد غير مضمون النتائج داخلياً وخارجياً، أو الاضطرار الى تقديم تنازلات مؤلمة، فإنّ تغيير النظام السوري يعيد تركيب التوازنات لكنه لا يلغي أحداً وجوداً ودوراً. في سوريا وبصراحة كاملة لن يخرج العلويون من السلطة. شراكتهم في السلطة مع السنّة ستظل قائمة. أي نظام سيأتي في دمشق حتى ولو كان بزعامة الشيخ العرعور (وهو من رابع المستحيلات) سيكون محكوماً بأن لديه قضية هي تحرير الجولان، وأن سوريا يجب أن تبقى مفتاح الحرب والسلام في المنطقة بسبب موقعها الجيوستراتيجي، لذلك فإنّ هذا النظام محكوم بالتعامل مع الشيعة والمقاومة في لبنان لكن على قاعدة التوازن. قد يخف فائض القوة عند الشيعة، لكن ذلك لن يخرجهم من الخريطة. فلماذا الإصرار على ركوب سفينة النظام الأسدي علماً أنّ المطلوب هو المحافظة على السفينة.
الشرط الأساسي لأن يبقى للشيعة حضور ودور أن يتواضعوا وأن لا ينسوا أنهم في بحر سنّي في المنطقة، وأنه لا يمكنهم أن يشكلوا البديل لهذا الدور خصوصاً في قضية فلسطين. يكفيهم أنهم منحوا هذه الأمة بدمائهم وممتلكاتهم مساراً عظيماً يمكِّن مَنْ يسير عليه أن يحرّر ويبني. طريق التواضع يفرض على الشيعة في لبنان وتحديداً حزب الله تصفير المشاكل مع محيطه اللبناني والعربي، وبصراحة فجّة مع البحر السنّي.
عودة مصر إلى موقعها ودورها ووجود أزهر طيب مفتوح ومنفتح على الآخر يفتح الباب أمام الشيعة وتحديداً حزب الله للعمل على خريطة جديدة أساسها أنّ غياب النظام الأسدي قد يؤلمها لكنه لن ييتّمها إذا عرفت كيف تلتقط اللحظة المناسبة، وهي الآن، الفرصة للتغيير.
ليس هناك ما يعيب القيام بالتغيير، المهم أن يكون كافياً وفي التوقيت المناسب. يمكن خصوصاً لـحزب الله الاهتداء بوالده الشرعي والوحيد أي الجمهورية الإسلامية في إيران التي تطوّر موقفها ـ ولها حديث آخر لأنها بدأت تأخذ في الاعتبار إمكانية التغيير في سوريا ـ، وتفتح أبوابها أمام صيغة جديدة للتحالفات والتفاهمات في المنطقة ليست بعيدة عن إقامة تفاهم مع مصر والسعودية، حتى تكون مستعدة لكل المفاجآت وما أكثرها في ظلال ربيع الثورات العربية.
حان الوقت لقراءة رياح الثورات خصوصاً وهي تعصف بدمشق بواقعية وبتواضع ومن دون خوف لأنّ الخوف يقتل قبل السيف.
[email protected]
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.